هل يستطيع الشعب اختيار رئيس الوزراء؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس
سؤال من نوع (هل يستطيع الشعب اختيار رئيس الوزراء)؟, مثل هذا السؤال كان قبل عقود مرعب إلى درجة التحريم, أما اليوم فقد بات سؤالاً حلالاً يطرحه الكثير من الشعب وله الحق في ذلك, مع اعتقادي أن من هي الجهة التي تختار رئيس الوزراء ليس هي المشكلة الحقيقية في دولة مثل الأردن, إنما المشكلة الحقيقية تقع فقط في معايير اختيار رئيس الوزراء والخصوصية المرتبطة في ذلك, وليس في من هي الجهة التي تختار مثل هذا الموقع الأكثر حساسية.
إذا كانت معايير اختيار رئيس الوزراء واضحة ومحددة لدينا, فإن اختيار شخص الرئيس تبقى مسألة إجراءات روتينية فقط لا غير, وكما افهم أن لدى كثير من دول العالم معايير محددة المعالم لاختيار رئيس الوزراء, وأعتقد أن لديهم أيضا (خصوصية) الحد من هذه المعايير, فقد نجد مثلاً أن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة صناعية, تختلف تماماً عن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة زراعية, وأن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة بحرية, تختلف تماماً عن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة عسكرية, وأن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة مستهلكة, تختلف تماماً عن خصوصية اختيار رئيس وزراء دولة منتجة. 
أعتقد جازماً أن معايير اختيار رئيس الوزراء لدينا واضحة ومحددة المعالم, إلا أنه لدينا جملة من الخصوصيات والتي لا يمكن باي شكل من الأشكال تجاوزها, أو ربما القفز عنها, وعلى سبيل المثال لا الحصر لدينا خصوصية العشائر, ولدينا خصوصية الشمال والجنوب, ولدينا خصوصية مكونات المجتمع الأردني, وأكثر من ذلك لدينا خصوصية القضية الفلسطينية وحيثياتها.
بكل صراحة الشعب الأردني بمكوناته المختلفة يفتقر تماماً إلى (ثقافة الاختيار), ويعود ذلك إلى طبيعة التنشئة الأسرية المنغلقة, وإلى تراجع نظامنا التعليمي, وإلى دور وسائل الإعلام المنحازة, حيث أن هذه الحلقات جميعها باتت مفقودة لدينا تماماً, ولأن ثقافة الاختيار المستقل غائبة لدينا, فقد حل محلها (الاختيار الموجّه) اجتماعياً, وفي هذا النوع من الاختيار تغيب عنا تماماً مفهوم الاستقلالية.. وظهور تدخل وميول وانطباع الآخرين في عملية الاختيار التي نقوم بها.
إن غياب ثقافة الاختيار المستقل وانتشار ثقافة الاختيار الموجّه اجتماعيا كان وما زال يظهر في طريقة اختيارنا في لرؤساء النقابات المهنية, ورؤساء البلديات, ورؤساء المجالس.. إلى غير ذلك من مؤسسات محلية, وربما يعود ذلك إلى ثقافة التركيبة الاجتماعية والدينية والعرقية المنغلقة التي يعاني منها المجتمع الأردني ككل, كيف لا.. وعلى مدار عدة دورات نيابية لم يستطيع الشعب الأردني بكافة مكوناته الاجتماعية اختيار أعضاء نواب بشكل مناسب, والدليل على ذلك طريقة وأسلوب ومنهجية مناقشة هؤلاء النواب للتشريعات المتمثلة في التعليمات والأنظمة والقوانين.
وأكتفي هنا بالسؤال الآتي: إذا لم يكن لدى الشعب الأردني المحترم القدرة الحقيقية على اختيار أعضاء مجلس نواب بالمستوى المطلوب, فكيف يكون له القدرة على اختيار شخص رئيس الوزراء؟
أعتقد جازماً أن ثقافتنا الحالية لا تسمح لنا بذلك إطلاقاً, وأن ذلك يتطلب اولاً استبدال ثقافة الاختيار الموجّه اجتماعيا بثقافة الاختيار المستقل المبني على قدرة من نختارهم في بناء البرامج والمشاريع التنموية التي يحتاجها الوطن بعيدة كل البعد عن بؤر المصالح الضيّقة.
دمتم بخير.      
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences