تمظهرات القصة القصيرة جدا في ديوان (تحت سماء واحدة) لنضال برقان
الشريط الإخباري :
.
بقلم: محمد عارف مشه (قاص أردني)
.
"الفلاح يقف عندها، والحرفي، والطبيب، والطالب، حتى الساسة يقفون بين حين وآخر، لكنها إلى الآن، لم تستطع إيقاف شاعر تفعيلة، عند المكان المناسب..." صفحة (124) الفقرة السادسة من (تحت سماء واحدة)، فما المقصود ب (لم تستطع إيقاف شاعر تفعيلة)، ومم انفلت، بل إلى أين انفلت نضال برقان من قصيدة التفعلية؟ وهل النص المقتبس بحاجة إلى تأويل في النص هنا؟ الجواب في باطن الشاعر. وقد نكون بحاجة أيضا لإجابة من الشاعر، والناقد، والقراء معا.
على الرغم من التقارب الشديد بين الشعر والنثر، كتقارب ماء البحر من الشاطىء، إلا أنه يظل البحر بحرا، وتظل اليابسة يابسة رغم تقاربهما، ولا يستعصي على الدارس والناقد الفصل بينهما، حين يكون الفصل وجوبا، ما لم يختلط ماء موج البحر مع رمل الشاطىء، أو يجمع بينهما كوب الأدب، بذكاء من الكاتب المبدع، يفصل بينهما حينا، ويجمع بينهما في حين آخر بذكاء إبداعي، فاصلا بين سيولة الماء ويباس الكوب، فيظل الكوب شفافا يكشف ما بداخله من إبداع الشعر وصفائه من جهة، وما بين التنقية من الشوائب من جهة أخرى.
نضال برقان كان واضحا بداية من شمولية العنوان، وما فيه من دلالات نصية، والانفتاح على الفضاء وكل الاتجاهات، ولا اتجاه واحد يقيد مسيرته السابقة لشعر التفعيلة في دوواينه الشعرية بدءا من (مصاطب الذاكرة) عن بيت الشعر الفلسطيني / رام الله عام (1999)، ومرورا ب(مصيدة الحواس) عن دار أزمنة عمّان عام (2003)، و(مطر على قلبي) وزارة الثقافة الاردنية عام (2005) ، و(مجاز خفيف) عن دار ورد عمّان / و(ذئب المضارع) عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع عمّان عام (2015) . وسيرة الشاعر نضال برقان طويلة ومضيئة في عالم الإبداع.
القصة القصيرة جدا تتجلى صورتها وعناصرها في (ديوان تحت سماء واحدة). فهل كتب نضال برقان القصة القصيرة جدا حقيقة في ديوانه، أم حاول أن يمرر القصة القصيرة جدا في ديوانه، وربما يتبرأ منها لاحقا، أم سيعتبرها مولودا شرعيا في أدب برقان لاحقا؟ مجموعة من المحاور تبحث عن إجابة.
أيا سيكون موقف برقان لاحقا مِن ماورد من قصص قصيرة جدا، فإن القصيدة كانت عند نضال ذات حدث قصصي منذ بداية الديوان الشعري الجديد، ففيه الحبكة، وفيه النهاية، بل وأستطيع الجزم أنه القصص القصيرة جدا ظهرت منذ بداية صفحة (109) واستمرت لغاية صفحة (130) من الديوان، فنضال ليس بريئا على الاطلاق في تلك الصفحات من كتابة القصة القصيرة جدا. كما أنه لم تكتف القصص القصيرة جدا الموجودة في الصفحتين (115) و(116)، بارتداء ثوب القصيدة كما في كثير من قصائد الديوان، بل تجاوزت هذه الحال لتتأخذ الشكل السردي الأفقي وليس العامودي. وهذا اعتراف ضمني من برقان للقاريء، بأنه تم الانتقال إلى عالم السرد القصصي. يقول نضال برقان في صفحة (115)، الفقرة الثالثة: "الناس يفتحون كل يوم كوة جديدة في قلبي، يمدون رؤوسهم خلالها، ويظلون يهتفون باسمك صباح مساء، وينتظرون. هم لا يعرفون أنك هناك ـ الحبيبة ، الزوجة ، الصديقة أم الأم رحمها الله، والتي فقدها الشاعر منذ فترة قريبة ـ يكمل نضال قصته ... وأنا لا أعرف إلا أنني صرتُ مستهلكا تماما، ووحيدا تماما، وبعيدا تماما هنا". لو نظرنا إلى النص لوجدناه قصة قصيرة جدا، ضمن مقاييس القصة، من بداية، وعقدة ونهاية، وشخوص المتحدث الشاعر والمتحدَّث عنها، ولوجدنا الحوار الداخلي في النص، والحوار هنا بث شكوى الاغتراب والاشتياق من الفاقد والمفقود، ولوجدنا المكان واضحا وجليا، بين هنا وهناك.
لم تغب الشاعرية في القصة والإيقاع الموسيقى، كما أن خاتمة القصة كسرت حاجز التوقع عند القارىء، وأثارت عنده مجموعة من التساؤلات والاختلاف في التفسير.
وهكذا نرى أن ديوان الشعر (تحت سماء واحدة) قد جمع القصيدة النثر والقصة القصيرة جدا تحت مظلة واحدة كما يجتمع البحر والبر تحت سماء واحدة.