صورة حماس -الإخوان المسلمين في غزة- سيناء تخبو دولة ..
الشريط الإخباري :
سليم النجار
ليلٌ باهت، ذبلت الزهرات اليانعات، عطرها الفواح في غزة يخبو، بعدما كانت تصدّر أكثر من ٥٠ مليون دولار سنويًا..
مساءٌ رهيب تكسوه العتمة، تبكي المدينة عن بكرة أبيها، يسودها ضجيج وصخب ينافيان جمالها المعهود، بعد أن أُعلِن على لسان معظم قادتها أن الإسلام دخل غزة على يد حماس، وقبل ذلك كان أهالي غزة كُفّار وإسلامهم سكّر خفيف..
صباحاتُها غائمة يظلّلها ضبابٌ مائع، يتأرجح بين المهادنة والانقضاض على ذاكرتها المهلهلة، المشتّتة بين المنافي ببلاد بلا ذاكرة ولا قلب، يلوّنها بقتامة بحجم الكون، بعد أن مارسوا فضيلة الصمت، وبعد أن أعلن الرئيس الراحل عبد الناصر موافقته على توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل أن تموّل أمريكا السد العالي، يومها خرجت غزة عن بكرة أبيها تتظاهر ضد توطينهم في سيناء، وقامت القوّات المصرية بقمع هذه المظاهرات، واعتلقت الكثير من قادة الرأي، نذكر منهم الشهيد أبو يوسف النجار، والشاعر الكبير معين بسيسو، وكالعادة لم تفِ أمريكا بوعدها لعبد الناصر لحساباتها الخاصة بها..
كما خيّم الحزن على ساحات المدينة وأزقّتها، فانطفأت أنوارها المبهجة، وخلت الشوارع من أصوات الباعة الجائلين، في تواطؤ شبه معلن على ذاكرة المدينة، عندما قررت القوة التنفيذية التابعة لحماس، منع الاختلاط بشوارع غزة، حفاظًا على العقيدة، أي لا يجوز سير أخ مع أخته في شوارع غزة إلّا بعد أن يحمل ما يُثبِت صلة القرابة.
هدأت الأزقّة، نفضت ضجيجها وباتت الهمسات تنثر خوفها بالطرقات، انتظارًا لمنحة قطر، ١٠٠ دولار لكل عائلة غزيّة..
عمّ الظلام نهارها، رغم الشمس المنتصبة بكبد السماء تعانق أحلامهم، وذبلت أفكارهم فوق نوافذهم بعد أن أصبحت آثار جرّاء القصف المستمر من قِبل طائرات إسرائيل، بعد إعلان حماس بأنها ستقوم بتحرير فلسطين، من مخابئهم وجحورهم، لتتراقص شفاه مذيعات فضائيات "المئاومة" بأن النصر قادم..
صحيح أنّ اختيار الكلمات عن تشكيل النص السياسي عند تحليل مواقف حركة حماس وسيدتهم الإخوان المسلمين لا تتم بشكل عشوائي، فهناك كلمات لها ظلال كالأشجار، وتداعيات كالذاكرة تُكسِب النص آفاقًا رحبة مشحونة بالانفعالات والمعاني التي تفوق كثيرًا معناها المعجمي الجاف، كالقول أن أمريكا بدأت بتأهيل الإخوان المسلمين سياسيًا لتوظيفهم في خدمة أهدافها الإستراتيجية، كإقامة دولة لهم في سيناء وغزة لتكون خنجر مسموم في خاصرة الأمة العربية، هذا أولًا، وثانيًا، محاصرة مصر بعد أن تمكّنت من التحكّم في مياهها من خلال سد النهضة التي أنشأته أثيوبيا، لتكون مصر أسيرة المشاريع الأمريكية..
كما ستُناط بهذه الدولة العتيدة وظائف أخرى، كقتل مشروع الدولة الفلسطينية، وعمليًا، فإنّ إسرائيل وحماس تتناوبان في تحقيق هدف الحركة الصهيونية، بجعل الضفة الغربية عبارة عن كانتونات بشرية فلسطينية تصب في خدمة الدولة الإسرائيلة، وهذا ليس مستغربًا أو يبعث على الفزع، خاصة أن سماء غزة حبلى بظل غِمام بن غوريون، الذي طلب لصالح جنونه من الحكومة اللبنانية بعد قيام دولتهم بأشهر، عودة الفلسطينيين إلى أرضهم لقطف ثمارهم، وقتها رفضت لبنان طلبه، لأن الفلسطيني كان جوهرة ثمينة للإقطاع اللبناني، فالفلاح الفلسطيني يمتلك خبرة كبيرة في فن الزراعة، وهم في أمسّ الحاجة لحرث أراضيهم، وما بين الحاجة الملحّة لإسرائيل للفلسطيني في جمع الثمار، لأنه لا يوجد عمالة إسرائيلية تقوم في هذا العمل، وآغوات لبنان الذين يريدون من الفلسطيني تنمية وتراكم ثرواتهم، أصبح الفلسطيني محطة قطار يتنازع عليه مثلث العار..
إسرائيل تريد من الفلسطيني أن يكون خادمًا لمشاريعها العنصرية، والطبقة السياسية الطائفية الحاكمة في لبنان تريد من الفلسطيني أن يكون بوصلة لأفكارهم العنصرية التي تصب في زيادة ثرواتهم في البنوك اللبنانية، والتي تطير فيما بعد كالعصافير، لبنوك أوروبا..
وتبقى الكلمة في مدلولها الأصيل سرًا من أسرار الكاتب، يجهد القارئ في البحث عنه ليكتشف ذاته وعوالم أخرى أبعد من التفصيل السطحي للحياة اليومية، إنّه يكتشف فكر الكاتب الآن، فروحه حاضرة وبقوة في النص، يقول الجاحظ رائد العربية الأول في هذا المعنى: "ما قرأت كتاب رجل قط إلّا وعرفت عقله فيه"..
لذلك، لم تكن الكتابة السياسية عن الإخوان المسلمين وطفلتها المدللة في يوم من الأيام مجرد رصف كلمات قُدّت من ثنايا المعاجم لتكسو الأفكار والعواطف والخيالات، إنّها والحال هذه تصبح تمامًا كالمانيكان الذي يلّبسه البائع أزياء جديدة ليعرضها، بلا روح ولا رائحة ولا شذا ولا خيال، فالنص يؤول هنا إلى ما يشبه شبكة الكلمات المتقاطعة، وانطلاقًا من ذلك، فإنّ قيام دولة للإخوان المسلمين في غزة وسيناء، ليست لحظات حالمة مفتونة بالخلاف مع هؤلاء، بل مشروع سياسي قائم غير معلن، بل يُطبخ على نار هادئة في المطابخ السياسية الأمريكية، وغزّة اليوم هي الإعلان الأول لهذا المشروع الاستعماري الظلامي..