في وداع محمد أبو حلتم
الشريط الإخباري :
سليم النجار
أن نتذكّر محمد أبو حلتم يعني أنّنا نتذكّر الأساس.
أن نتذكّر محمد أبو حلتم يعني أنّنا لا ننطلق من العراء، بل نبني على ما بناه أوائلنا.
أن نتذكّره يعني أن نقرأه ونستلهمه ونستكمله.
أن نتذكّر محمد أبو حلتم، يعني أن ننتبه إلى أنّ الساحة الاقتصادية الأردنية في أيامه كانت تعجّ بالاقتصاديين والطامحين لبناء صناعة وطنية، وكانت تُعَلَّق عليها الآمال الكبيرة، أبو حلتم حقّق ذلك الحلم الذي راود الأردنيين بقيام صناعة نعتز بها، كان يؤمن أنّ الصناعة هي المدماك الأول لبناء دولة معاصرة.
وأن نتذكّر محمد أبو حلتم، يعني أن نقبض على ارتباطه العضوي بمرحلته، مرحلة التأسيس التي دفعته إلى الحفر في كل الأفكار البكر، فأسّس محلًّا في مخيم الفارعة، ومعرضًا للأجهزة الكهربائية في الزرقاء، ليصل إلى مرحلة تصنيع الأجهزة الكهربائية، وأقام مصنعه في ماركا.
وأن نقبض في الوقت نفسه على خصوصيّة إبداعه في هذه المرحلة، وتميّزه بين مجايليه، وفتوحاته الرائعة في مجال الصناعة خاصّةً، تلك الفتوحات التي عبّدت الطريق صناعة، فوطّن التكنولوجيا في الأردن عبر إرسال المهندسين للتدريب والتعلّم على أحدث ما وصل له العلم في صناعة الأجهزة الكهربائية في كوريا الجنوبية.
محمد أبو حلتم، الإنسان المنحاز إلى الفئات الشعبية المسحوقة من جهة، والإنسان الحر الذي يستطيع أن يقف في وجه المستحيل، بل وكذلك في وجه من يقف في تحقيق حلمه إذا لزم الأمر من جهة أخرى.
أعترف بأنّ الصورة التي تراودني الآن وأنا بصدد الكتابة عن محمد أبو حلتم هي صورة رجل عرف معنى الحياة.
متعة ما بعدها متعة أن تجلس مع الاقتصادي الكبير محمد أبو حلتم، وهي متعة لها مذاق مختلف عن المتع الحسيّة الزائلة، متعة الولوج في حصاده الزاخر بالعمل والذكريات العذبة عبر الحوارات المؤنسة.
ومع شدّة ما يُدهَش به الوافد الجديد من تواضعه الجم وبساطته الآسرة، إلّا أنّه من الأفضل التعرف على جزء من عاداته ومزاجه الخاص قبل لقائه، فقد تجده للوهلة الأولى جادًّا أو ميّالًا للصمت، وربما عازفًا عن الحديث، لكن له في كل ذلك شأن يغنيه، ذلك الشأن لا يدركه في حينه من تصوّر محمد أبو حلتم بهذه الصفات، لكن بعد حين ندرك أنه منهمك في خلق اقتصاد وطني قائم على ذاته، بعيدًا عن فكرة الاستيراد والاستهلاك.
وهكذا على مدى السنوات التي عاشها، والتي عرفتُ جزءًا يسيرًا منها، قد تجسّدت أمامي شخصيّته وتبلورت معالمها وخياراتها، واكتشفت كم هو مختلفٌ نوعيًّا عن كل رجال الأعمال الذين عرفتهم.
كان دائم التفاؤل رغم الكوارث والزلازل والانكسارات، وكان رضاؤه وقناعته بحظوته الشخصية المتواضعة من مغانم الحياة، إذ يقول: يكفي أنّنا تعلمنا ما بوسعنا، وخضنا التجارب والمحن التي عجنت عودنا، وسافرنا إلى بلاد الله وعرفنا شعوب العالم، ولم نفرّط فيما نعتقد أنه الخير والصواب.
ثم أخيرًا، أنّ نتذكّر محمد أبو حلتم، يعني أن نتذكّر كيف كان يحب الحياة والاستمتاع بها، إذ يقول: من لا يحب الحياة ويثق بها فمن رابع المستحيلات أن يضيف لها شيئًا.
رحم الله الاقتصادي الكبير محمد أبو حلتم.