( طوفان الأقصى كشف أكذوبة الجيش الذي لا يقهر) ..
الشريط الإخباري :
ماذا يحدث في غزّة؟
إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
" مقدِّمة"
مفردة "السؤال" وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الشاعر جلال الدين سالم من الأردن يكتب لنا من زاويته "ماذا يحدث غزة"؟
"طوفان الأقصى الاحتمالات والعواقب"
جلال الدين سالم/الأردن
1- "طوفان الأقصى" وأكذوبة جيش الكيان الذي لا يقهر
شهد صباح اليوم السابع من أكتوبر لعام (2023) انطلاقة "طوفان الأقصى" الذي تمثل في العلميات العسكرية التي نفذتها كتائب القسام الجناح المسلح في حركة حماس من خلال إطلاق آلاف الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية بالتزامن مع الاقتحام البريّ لهذه المستوطنات باستخدام السيارات رباعية الدّفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية للمناطق المجاورة للقطاع والمعروفة باسم غلاف غزّة.
لقد أثبتت هذه العمليات التي نّفذتها حماس باسم "طوفان الأقصى" عدم كفاءة وانخفاض الفاعلية القتالية للجيش الإسرائيلي، وفشلاً ذريعاً لأجهزته الاستخباراتية، مما شكّل تتعارضاً مع الصورة الثابتة في الوعي العربي الجمعي المتمثلة بصورة الكيان الذي لا يقهر، وهذا ما يدفع الكيان لاستخدام كلّ أدواته العسكرية وفق مفاهيم لا إنسانية لتنقذ صورتها أمام الرأي العام.
هذه الصورة التي تداعت في هذا الوعي لدرجة أنّ البعض شكك لا إراديا بعلم إسرائيل بهذه العمليات مسبقاً، ولكنها غضّت الطرف عنها كي تسمح بحدوثها وبالتالي أن تستمد شرعيتها أمام المجتمع الدولي في الدفاع عن نفسها.
اليوم وبعد مرور أكثر من شهر على هذه العمليات فحين نذكر "طوفان الأقصى" فإن أول ما يتبادر إلى أذهان الجميع صور الموت والمعاناة والدمار الهائل الذي لحق بالسكان والبنية التحتية في القطاع وما اتسمت به هذه المعركة من العنف والتدمير يجعل فاتورة الخسائر التي دفعها أهلنا في القطاع كبيرة جداً.
ما يهمنا اليوم هو إلى أين وصل طوفان الأقصى وما هي مآلاته؟ وفي صالح من تسير العمليات العسكرية؟ وهل لدى طرفي الصراع - حماس وإسرائيل – خطة لما يحدث الآن أم أنها عملية ارتجال بخلاف بداية الأمر؟
2-نكسة ثانية أو انتصار؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تطرح اليوم على صعيد الشارعين العالمي والعربي في محاولة لفهم ما يحدث وما يمكن أن تسير إليه الأمور بين نكسة جديدة أو حرب عالمية ثالثة، أنا أرى بأن خيار الحرب العالمية الثالثة ليس موجوداً في القاموس الإسرائيلي أو الأمريكي الغربي وخصوصا في ظل وجود أزمة اقتصادية لديهم وما يحدث بالغرب من دعم للكيان ما هو إلا مناوشات لتصدير الأزمات الداخلية للخارج من خلال خلق حالة من الضبابية حول هذه الحرب لتحويل الرأي العام لديهم إليها فدخولها الحرب يعني تحملها أعباء اقتصادية هي في غنى عنها، أما على الصعيد الإقليمي فإن إسرائيل حذرة جداً في توسعة دائرة الصراع وخصوصا مع "حزب الله" في الجانب اللبناني –وهذا ما دفع الاحتلال لجعل مناوشته مع حزب الله ناعمة ربما حفظاً لماء وجه حزب أمام الشارع العربي- وما هو إلا محاولة لإظهار موقف سياسي ومشاهد على مسرح الأحداث تروق طرفي الصراع فتدخل حزب الله يعني تدخل إيران وفتح جبهات من سوريا والعراق واليمن الحوثية وبالتالي التورط في صراع إقليمي مع الهلال الشيعي على الأقل.
وعلى الصعيد العربي فإنه يحضرني قول الرئيس المصري أنور السادات في حرب 73 حين قال: "أنا أحارب أمريكا وليس إسرائيل"، فبالنسبة للأنظمة العربية هي مضطرة إلى الاسترشاد بالمصالح العقلانية وعدم وضع خيار تصفية إسرائيل عسكريا ضمن معادلاتها، رغم غضب الشارع العام وظهورها في صورة متخاذلة، لأن أي صراع عسكري مع إسرائيل بالنسبة لهذه الأنظمة يعني صراعا مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الداعم له، وإزالة إسرائيل يقتضي بطابع الحال زوال الولايات المتحدة أولا بطريقة ما، فوجود الكيان مرتبط بوجود الولايات المتحدة والعكس كذلك لضمان انشغال الشارع العربي بالصراع العربي الإسرائيلي وعدم التفرغ للصراع العربي-العربي الذي يمكن حلّه وتحول العرب لقوّة مؤثرة في العالم.
وفيما يتعلّق بإمكانية حدوث نكسة ثانية، فإن المحلل السياسي الروسي "ألكسندر نازاروف" يرى بأنّ سيناريو الحرب يسير وفق المخطط الإسرائيلي، وبأن العصا أفلتت من يد حماس، فأنا أرى أنه رغم الخسائر إلا أنّ الانتصار والنجاح الذي سجلته كتائب القسام في كسر صورة الكيان وجيشه الأسطوري هي بحد ذاتها نكسة لإسرائيل وليس للشعب الفلسطيني، فإن كلّ الاحتمالات التي تطرح اليوم على الطاولة بين ما يمكن حدوثه من عدمه ومهما كانت مآلاتها فالنتيجة تشكل انتصارا للمقاومة وللشعب الفلسطيني والعربي بما ساهمت من تحرير العقلية العربية من صورة الكيان وإخراج الصراع بين طرفيه -العربي الإسرائيلي- من كونه حرب إمكانات .
قانون إسرائيل: إبادة أو تهجير
اليوم إسرائيل تركز في حربها على القطاع على نقطتين مركزيتين الإبادة الجماعية أو التهجير القسري لتزيح عن كاهلها إشكالية إستراتيجية تتمثل بالنمو الديموغرافي داخل القطاع والتي تتفاقم في كل عام مما يجعلها مخرزاً يؤرق مشروع الاحتلال الكامل للضفة الغربية.
تسعى إسرائيل في حربها لوضع سكان قطاع غزة أمام خيارين إما الإبادة الجماعية أو التهجير القسري لصحراء سينا كخيار، هذه العملية تُلزم بحصار صارم وشامل على القطاع وقطع الاحتياجات الأساسية (الغذاء والدواء والماء والكهرباء) يصاحبه قصف عنيف لأهم المنشآت الحيوية مما يجعل الحياة فيه مستحيلة وبالتالي التخلص من إشكالية القطاع التي تقف عائقا في وجه المشروع الصهيوني، وهذه المطامع التي يرنو إليها الاحتلال لا أعتقد بأنها ستجعله يتورط باجتياح بري للقطاع لأنّ ذلك سيكلفه الكثير ويزيد في تورطه أمام الرأي العام وما يقوم به من جرائم وحشية اليوم ما هي إلا محاولة للضغط على مصر وإحراجها لفتح بوابات اللجوء إليها.
وفي الختام أكرّر برأيي أنّ النهاية ما تزال مفتوحة وتحتمل كلّ الأوجه، إلا أنّني أؤكد على أن ما حققته حماس والمقاومة الفلسطينية هو انتصار للقضية مهما كانت النتائج وفي الوقت ذاته هو انكسار لصورة الكيان الغاصب وأسطورته.