غزة اللامنسية، قلوبنا معك
الشريط الإخباري :
غادة السمان
حين نكتب عن أحداث غزة والأحوال التي تقوم بها قوى الاحتلال، نشعر أن علينا كتابة سطورنا على أن يستطيع القارئ مطالعتها في يوم كتابتها، لأن الأحداث تتبدل كل يوم إلى الأفضل لنا نحن العرب (أو إلى العكس!). وأنا أخط الآن هذه السطور في يوم ما أتمنى أن تتجاوزها الأحداث إلى ما هو أفضل للفلسطينيين في اليوم التالي والأسبوع التالي حين يطالعها القارئ. اليوم مثلاً، أشعر بالحزن؛ لأن مجازر الاحتلال قتلت أكثر من 1240 فلسطينياً بينهم 463 طفلاً و313 امرأة. ولكن الصورة المنشورة مع هذا الإحصاء لا تصير يوماً قديمة:
رجل يحتضن طفله للمقبرة ويقبله.. وأطفال المجازر يمزقون قلوبنا ونحن نرى صورهم في صفحة كاملة تقريباً من جريدة «القدس العربي»، وسواها.
لا للعربدة الإسرائيلية
كثير من غير الفلسطينيين أو العرب يتضامنون معهم وينفرون مما يحدث في غزة. ها هي الناشطة البيئية الشهيرة تظهر بالكوفية الفلسطينية والعقال وتدعو لوقف الحرب على الذين يتعرضون للقمع (في غزة) ويناضلون من أجل الحرية.
وثمة مليون شخص وقّعوا عريضة العفو الدولية لوقف الحرب. وفي المقابل، ثمة متطرفون يحاولون إزالة أسماء أطفال استشهدوا في غزة، ماذا لو كانوا أولادهم؟ هل كانوا وقّعوا العريضة؟ وهل كانوا رحبوا بمحاصرة إسرائيل لمجمع «الشفاء» وقصف السيارات المغادرة بينما يموت عشرات المرضى بسبب قطع الكهرباء عن أجهزة تساعدهم على التنفس؟
جمرة القلب ودفاعاً عن غزة
من العادي أن تقول النجمة السورية: أنا لا أنساك فلسطين، وهي ترتدي العقال والكوفية وتردد: أنا لا أنساك فلسطين: ويشد يشد بي البعد.. أنا زهر الشوق أنا الورد.
وتحظى غزة بكثير من الدعم من مبدعين عرب وغربيين، وبالذات في أمريكا اللاتينية. لذا، لا يدهشنا أن نرى علم فلسطين مرسوماً على وجوه صبايا لاتينيات، ولم يدهشنا أن عمرو دياب تبرع بجزء من أرباحه من حفلة في دبي لأهالي غزة، كما أن المغني طارق الشيخ ينشد تضامناً مع غزة: «لما النفس تهوى»، ومن المحزن مشاهد المسنين الذي اضطروا للهجرة مرات من فلسطين، بدءاً من النكبة ومروراً بما يدور الآن وهم يعمرون قبوراً لا بيوتاً تعبوا مما دعاه الأستاذ راشد عيسى النزوح الأبدي! ويحاول جنود الاحتلال تحويل غزة بأكملها إلى سجن سقفه السماء!
وداعاً يا ليلى
لولا ما كتبه الأديب اللبناني حسن داوود عن رحيل ليلى بعلبكي الأدبية اللبنانية، لما علمت بالخبر، وأسفت من جديد؛ لأن تلك الكاتبة الموهوبة جداً لم تصدر أكثر من روايتين ثم توقفت عن الكتابة. روايتها الأولى «أنا أحيا» جذبتني بصفني قارئة، من عنوانها. أما روايتها الثانية «الآلهة الممسوخة» فجذبت الرقابة واعتبرت رواية (غير لائقة) من نمط «البورنو»، كما يقال بالغربية. وتم تقديمها إلى المحاكمة بسببها. وكان ثمة في ذلك الزمان تحامل على ما تكتبه المرأة (بدل من البقاء في المطبخ). وثمة ناقد لبناني لن أذكر اسمه (ربما لأغيظه) سمّى بعض الكاتبات (وأنا منهن) إلى جانب كوليت خوري وليلى بعلبكي: أدب الأظافر الطويلة! كوليت وأنا وكثيرات لم يبالين بالتسمية، ولا أعتقد أن ليلى بعلبكي توقفت عن كتابة الروايات لهذا السبب، ولكنني أحب التوقف عند قضية مهمة أعارضها.
الأدب النسائي؟ تسمية هزالية!
كان وربما ما زال ما يدعى بـ (الأدب النسائي)؛ أي الذي تكتبه المرأة! وأنا منذ البداية أجد هذه التسمية قاصرة عن حقيقة الأدب وروحه وجوهره. من وجهة نظري، هنالك أدب أو «لا أدب»؛ أي كتابة مبدعة ليست بالضرورة ذكورية أو نسائية وكتابة رديئة. الكتابة المبدعة لا يكتبها الرجل فقط (بينما تخط المرأة أدباً نسائياً) فليس للأدب أعضاء، بل لها روح إبداع أو الفشل فنياً. وقد تبدع كاتبة تصادف أنها انثى، ويفشل كاتب تصادف أنه ذكر. العطاء الفني والإبداع لا صلة له بجنس الأديب.
الموهوبة ليلى خسرنا إبداعها
في الزيارة قبل الأخيرة للصديقة الفلسطينية الأديبة سلمى الخضراء الجيوسي، سألتها عن أخبار الأديبات العربيات المقيمات في لندن كليلى بعلبكي، وقالت لي ما أعرفه، وهو أنها كفت عن إصدار الكتب، ثم أضافت: فلانة (هلكتها- وقالتها باللهجة الفلسطينية). وقلت للحبيبة سلمى الخضراء: لا أعتقد ذلك، وأرفض فكرة الأديبة المتفوقة «الواحدة» على وزن الأديب الأوحد (أو الحاكم الأوحد!). وذكرت سلمى الخضراء أن الأدباء الذكور لا يفكرون بهذا النحو، فنجيب محفوظ مثلاً لم يلغ يوسف إدريس أو توفيق الحكيم. ومن الجميل أن تتعايش في الفترة ذاتها العديد من المبدعات العربيات من أقطار عربية مختلفة، وهو ما يحدث الآن. ويعود السؤال الأول: ترى، لماذا توقفت موهوبة كبيرة مثل ليلى بعلبكي وهي التي أصدرت «أنا أحيا»؟ لن أحد يستطيع الجواب على ذلك، لكنني أبدي أسفي لذلك، سواء كانت الكاتبة المبدعة التي توقفت عن الكتابة أنثى أو جنس الرجال. فالأدب لا جنس له غير الإبداع؛ وقد خسرنا إبداع ليلى بعلبكي حين توقفت عن الكتابة. وداعاً يا ليلى، ليس الآن فقط بل منذ اليوم الذي كتبت فيه آخر سطر في روايتك الثانية «الآلهة الممسوخة»، ولم تكتبي رواية بعدها.
صمت المبدع الحقيقي خسارة لعشاق الأدب من أمثالي، والقراء مثلي كثيرون، ولكن…