شَهادَة
الشريط الإخباري :
يا سَيّدي التّاريخَ عُذْرًا،
هَلْ تَلَطّفْتُمْ بِأنْ تُصْغُوا
إلى صَوْتي قَليلا
قَبْلَ أنْ تَمْتَصَّهُ بَرِّيَّةُ الأصْواتِ
أوْ يَغْتالَ جَذْوَتَهُ الأُلى
دَأبُوا على صُنْعِ الرَّمادِ،
وَقَصِّ أجْنِحَةِ الصَّدى؟
فَأنا المُوَقِّعَ قَلْبَهَ،
أدْناهُ أوْ أعْلاهُ،
سلمان زين الدّين،
أشْهَدُ أنَّهُ،
مُذْ أطْلَقَ الأقْصى العِنانَ لِمائِهِ،
وَاسْتَيْقَظَتْ مُدُنٌ مِنَ النَّوْمِ العَميقِ
على صَدى أنْهارِها،
تَجْتاحُ أرْصِفَةَ الشَّوارِعِ عُنْوَةً،
لِتَصُبَّ في أقْصى البِحارِ،
وَتَنْتَحي جِهَةَ العَناوينِ الَّتي
ضَلَّتْ إلَيْها الدَّرْبَ بُوْصِلَةُ المُتُونْ،
ثارَتْ على الطُّغْيانِ غَزَّةُ هاشِمٍ،
في السّابِعِ المَشْهودِ مِنْ تِشْرينَ،
وَانتَفَضَتْ عَلى سَقَطِ المَتاعِ،
وزُلْزِلَتْ زِلْزالَها،
وَتَحَرّرَتْ مِنْ ظُلْمَةِ السِّجْنِ الكَبيرِ،
وَحَطَّمَتْ أغْلالَها،
وَتَمَخَّضَتْ عَنْ كُلِّ صِنْديدٍ عَنيدٍ،
يَفْتَدي الأقْصى بِأشْفارِ العُيُونْ.
وَإذا الأبابيلُ النُّسُورُ
تَهُبُّ مِنْ أوْكارِها،
لِتُلَقِّنَ الأعْداءَ دَرْسًا قاسِيًا،
في غَفْلَةٍ مِنْ بَغْيِهِمْ،
بِحِجارَةٍ سِجّيلُها يَغْشى الوَغى،
وَيَدُكُّ عاتِيَةَ الحُصُونْ،
فَتَفَرَّقوا أيْدي سَبا،
وَهَوَتْ بُرُوجٌ شُيِّدَتْ،
في غَمْرَةِ الفَوْضى،
عَلى رَمْلِ الأساطيرِ الَّتي
تَمْتاحُ مِنْ بِئْرِ الجُنُونْ,
٭ ٭ ٭
يا سَيِّدي التّاريخَ مَعْذِرَةً،
أنا سَلْمانُ زَيْنُ الدّينِ،
أشْهَدُ أنَّ غَزَّةَ هاشِمٍ،
ما أنْ أصابَتْ مَقْتَلا،
مِنْ ذَلِكَ الوَحْشِ المَغُولِيِّ الرَّجيمِ،
لَدَى صَباحٍ مُوْغِلٍ في شَمْسِهِ،
حَتَّى انْبَرى يُلْقي عَلى فِرْدَوْسِها
حِمَمَ الجَحيمِ،
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طِفْلٍ
هاجِعٍ في مَهْدِهِ،
لَمّا يَذُقْ مِنْ طَيِّبِ الدُّنْيا
سِوَى طَعْمِ الحَلِيبِ،
وَبَيْنَ شَيْخٍ طاعِنٍ في طُهْرِهِ،
لا زالَ يَنْتَكِبُ الصَّلِيبَ،
وَيَقْتَفي أثَرَ الَّذينَ تَعاقَبُوا
عَلى دَرْبِ الصَّلِيبْ.
لَمْ يَدَّخِرْ ذاكَ المَغُولِيُّ
المُدَنَّسُ وُسْعَهُ،
في هَتْكِ أقْداسِ الكَنائِسِ
وَالجَوامِعِ وَالمَدارِسِ وَالمَشافي،
دُوْنَ أنْ يَخْشَى مَلامَةَ لائِمٍ،
أوْ يَرْعَوِي عَنْ غِيِّهِ.
وَمَضَى يُفَجِّرُ حِقْدَهُ الأعْمَى الدَّفِيْنَ،
وَيَقْذِفُ الحِمَمَ الأسِيرَةَ
ما اسْتَطاعَ سَبِيلَهُ،
مِمّا تَضِيقُ بِمِثْلِهِ ذَرْعًا،
وَتَأبَى قَذفَهُ حَتّى بَراكِينُ الحُرُوبْ.
وَعَلَتْ نِداءاتٌ
لِتُوْقِظَ مَجْلِسًا لِلْأمْنِ
مِنْ نَوْمِ الكُهُوفِ لَعَلَّهُ
يُصْغي إلى وَجَعِ الضَّحايا
الكاظِمِينَ جِراحَهُمْ،
وَيَرُدُّ ذاكَ الوَحْشَ مَدْحُورًا
عَلى أعْقابِهِ،
لَكِنَّها ذَهَبَتْ سُدى
تِلْكَ النِّداءاتُ الـْ عَلَتْ،
فَالمَجْلِسُ الغافي مُجَرَّدُ دُمْيَةٍ
تَلْهُو بِها هُوْجُ الرِّياحْ.
لا الصَّوْتُ يُوْقِظُهُ
مِنَ النَّوْمِ العَمِيقِ
وَلا الصَّدى،
فَيَنامُ أوْ يَصْحو
عَلى إيقاعِ أمْريكا،
وَلا يُعَكِّرُ نَوْمَهُ أو صَحْوَهُ
صَوْتُ الجِراحْ،
وَيَروحُ يُوْصَدُ سَمْعَهُ
دُونَ الخُطُوبِ
تَهُبُّ مِنْ مَسْرى الرَّسُولِ،
وَلا يُوَلّي وَجْهَهُ شَطْرَ الهُبُوبْ.
٭ ٭ ٭
يا سَيِّدي التّاريخَ لُطْفًا،
هَلْ تُدَوِّنُ ما أرَى
مِنْ طارِفِ الأمْجادِ قُرْبَ تَلِيدِها،
تِلْكَ الَّتي تُنْمى لِغَزَّةَ هاشِمٍ
دُوْنَ الوَرى؟
إنّي أرَى، يا سَيِّدي، أنَّ الأُلى
انْتَهَكُوا قَداسَةَ أرْضِها،
هُمْ آيِلُونَ،
عَلى اخْتِلافِ جُذُورِهِمْ،
شَطْرَ الزَّوالِ،
وَأنَّ غَزَّةَ هاشِمٍ،
رُغْمَ الأعاصِيرِ الَّتي عَصَفَتْ بِها،
رُغْمَ البَرامِيلِ الَّتي هَطَلَتْ عَلى أطْفالِها،
رُغْمَ الأُلى نَكَصُوا عَلى أعَقابِهِمْ،
رُغْمَ الأُلى قَلَبُوا لَها ظَهْرَ المِجَنِّ
وَلَمْ يَبِيعُوها سِوَى سَقَطِ الكَلامْ،
سَتَقُومُ مِنْ خَلَلِ الرَّمادِ
كَطائِرِ الفِينِيقِ مُنْتَفِضًا
عَلى قَدَرِ الأجَلْ.
وَتُقِيمُ أعْراسَ الحَياةِ،
فَيُشْعِلُ الدُّنْيا الصَّدى.
وَتُعِيدُ تَشْجِيرَ المَدى
بِعَرائِسِ الزَّيْتُونِ وَالليْمُونِ
وَالتِّينِ العَسَلْ.
وُتُطَهِّرُ الأقْصى مِنَ القَوْمِ الطَّغامْ.
يا سَيِّدي التّاريخَ لُطْفًا،
لا تَضِقْ ذَرْعًا بِرُؤْيا شاعِرٍ
أرْخَتْ عَلَيْهِ سُدُولَها،
في لَحْظَةٍ حُبْلى بِأسْبابِ الكَلامْ،
فَتَفَضّلوا بِقَبُولِها،
يا سَيِّدي،
وَقَبُولِ أقْصى الاِحْتِرامْ.
سليمان زين الدين
شاعر لبناني