مخطط التطهير العرقي باعتباره هدف إسرائيل للترحيل القسري والطوعي !
الشريط الإخباري :
علي ابو حبلة
من أهم أهداف الحرب على غزه والضفة الغربية سياسة التطهير العرقي وإجبار الفلسطينيين على الرحيل القسري أو الطوعي عن وطنهم فلسطين، وما تمارسه آلة الحرب الصهيونية من إرهاب وما يرتكب من جرائم إبادة تستهدف الحجر والشجر والبشر إلا لتحقيق ذلك الهدف والغاية من هذه الحرب وهي غير مسبوقة في التاريخ الحديث من حيث فظاعتها وإجرامها وجندت لها حكومة الطغيان كل الوسائل لتحقيقها حيث يحاصر الشعب الفلسطيني ويحارب بسياسة التجويع المترافقة مع حرب الدمار الشامل.
و فكرة التطهير العرقي مخطط صهيوني منذ نشأة هذا الكيان الصهيوني الغاصب وتندرج ضمن مفهوم التخوف من الديموغرافية الفلسطينية ، ومخطط التوسع الاستيطاني وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها العرب الفلسطينيين، وتالياً القيام بعملية إحلال للسكان اليهود بغية الإخلال بالتوازن الديموغرافي في نهاية المطاف لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية العليا ضمن مفهوم يقود إلى تكريس يهودية الدولة.
قامت العصابات الصهيونية قبل « إنشاء دولة إسرائيل « بارتكاب عشرات المجازر في المدن والقرى الفلسطينية بغرض تطبيق فلسفة التطهير العرقي وتهجير الشعب الفلسطيني وما أطلق على تسميته نكبة فلسطين ، لتقوم إسرائيل بعد إنشائها عام 1948 بعمليات ترانسفير وتطهير عرقي مباشرة من خلال استخدام القوة العسكرية القمعية، وغير مباشرة للفلسطينيين من خلال إصدار قرارات وقوانين إسرائيلية جائرة، تارة بحجج أمنية وتارة أخرى بمسميات التطوير والتحديث للبنى التحتية كما يحصل في منطقتي الجليل والنقب في شمال وجنوب فلسطين المحتلة وبذلك كانت سياسة الطرد والتهجير وما تزال حلقات صهيونية – إسرائيلية مستمرة وتعشش بالفكر والممارسة لدى كافة الأطياف السياسية الإسرائيلية.
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن في مذكراته أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والترويع ثم الطرد، وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها قد وصل إلى (34) مذبحة، منها (24) مذبحة في منطقة الجليل، وخمس مذابح في وسط فلسطين، وخمس مذابح في منطقة الجنوب.وثمة سبع عشرة مذبحة نفذت في ظل احتلال بريطانيا لفلسطين قبل عام 1948، ودون تدخل يذكر من قبل الجيش البريطاني، في حين تمّ ارتكاب سبع عشرة مذبحة صهيونية بحق الفلسطينيين العزل بعد انتهاء الانتداب البريطاني.
ومن أشهر المذابح دير ياسين، ومذبحة الطنطورة في قضاء مدينة حيفا، والمذبحة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا، وكذلك في قرية الصفصاف في قضاء مدينة صفد، وعيلوط في قضاء مدينة الناصرة، ناهيك عن مذبحة مروعة ارتكبت بحق عرب المواسي، لكن أكبر المذابح كانت ارتكبت في الدوايمة قضاء مدينة الخليل.
إن جوهر المشروع الصهيوني الاستعماري لفلسطين بدأ منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر يقوم على مخطط التطهير العرقي للفلسطينيين عبر تهجير الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم وفق خطه وضعها القادة الأوائل المؤسسون لهذا الكيان الغاصب منذ هجرة اليهود إلى فلسطين والهدف كان وما يزال منذ عام 1947 ولغاية اليوم هو « الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين..
تمّت استعادة هذا المخطّط بعد أقل من أسبوع من معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي حين أنجزت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، المشرفة على « الموساد» و» الشاباك « ، مذكرة من 10 صفحات تناقش 3 خيارات تتعلق بسكان غزة المدنيين. يناقش الأول إمكانية إبقاء السكان في غزة تحت حكم السلطة الفلسطينية، ويبحث الثاني بقاءهم تحت سلطة عربية، ولكن المذكرة أوصت باعتماد الخيار الثالث المفضّل وهو: إجلاء سكان غزة إلى سيناء.
رغم تسرّب المذكرة لوسائل الإعلام وإثارتها عاصفة سياسية دولية باعتبارها دعوة للتطهير العرقي للفلسطينيين، فإن وزيرة الاستخبارات، جيلا غمليئيل، قالت إن أعضاء الكنيست، من مختلف الأطياف السياسية، يدعمون هذا الخيار، وقد أكدت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في تقرير لها نشر قبل أيام ، أن مشرعين إسرائيليين ومسئولين حكوميين ومعارضين يواصلون الضغط لترحيل سكان غزة تحت ستار المساعدة الإنسانية.
ولتحقيق هذا الهدف وضمن السيناريوهات المرسومة تم تدمير البنية التحتية في غزة وإبادة أهلها وتقويض مستقبلها، وأصدرت حكومة الحرب التي يرئسها نتني اهو تعليماتها لوزارة الحرب بـ» التركيز على إيقاع الضرر بالبني التحتية « وتهجير الفلسطينيين عن منازلهم بعد قصفها وتم ، استخدام نظام ذكاء اصطناعي لتوليد أهداف محتملة أكثر، وبذلك تحولت غزة، كما يصفها تقرير في «كونسورتيوم نيوز» (موقع مستقل للصحافة الاستقصائية والمراجعة السياسية)، إلى «مصنع للاغتيال الجماعي»
عدد الفلسطينيين الذين تأكدت وزارة الصحة في غزة من مصرعهم بلغ ما يزيد 23000، ألف شهيد حوالي 70 في المائة منهم من النساء والأطفال، كما تم تهجير أكثر من مليون وتسعمائة ألف شخص، يهدد الجوع 40% منهم، حسب وكالة أونروا، فيما ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن حياة مليون طفل « على شفير الهاوية» بسبب الانهيار شبه الكامل للخدمات الصحية وخدمات الرعاية في جميع أنحاء قطاع غزة.
يبلغ عدد الفلسطينيين 14,5 مليون، نصفهم تقريبا يعيشون في فلسطين التاريخية، ويتوزع الباقون على دول عربية (الأردن، سوريا، لبنان ومصر) وباقي بلدان العالم، وخضع العدد الكلي للفلسطينيين للتآكل عبر التهجير، منذ النكبة التي شهدت رحيل 800 ألف فلسطيني (كان عدد من بقوا في المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل حينها 154 ألف فلسطيني)، وقد شهدت الهجرة الفلسطينية تكاثفا بعد حرب 1967 حيث غادر ما بين 280 ألفا إلى 325 ألفا.
إضافة إلى قرابة مليونين وثلاثمائة ألف في غزة دفعتهم إسرائيل للنزوح، فقد أجبر سكان 13 تجمعا في الضفة الغربية على الهجرة بسبب عنف المستوطنين، وهذا يعني أن قادة المشروع الإسرائيلي يعتبرون أن ما يحصل الآن هو فرصة لاستكمال مخطط التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين على كافة الجبهات.
الحرب الهمجية على غزه والضفة الغربية وسياسة التنكيل والقتل والتدمير الممنهج وهجمات المستوطنين في الضفة الغربية، هو أن إسرائيل ماضية في مخططها وهمجيتها لتحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله، وهو طرد الفلسطينيين من أرضهم، وهي معادلة صفرية غير ممكنة التحقيق، لكنّ التعاطي معها يتطلب موقفا فلسطينيا متماسكا وموحدا وموقفا عربيا فاعلا وضاغطا ورافضا لمخطط التهجير ومقاومته بكل الوسائل والسبل ومنع تحقيقه وإفشال المخطط الصهيوني لزرع كيان أصولي متطرف ضمن ما بات يعرف بيهودية الدولة.