بوصلة «التظاهر» انحرفت.. واجب الدولة أن تتدخل
الشريط الإخباري :
حسين الرواشدة
صحيح، التظاهر في الشارع حق مشروع لكل الأردنيين، كما أن التضامن مع أهلنا في غزة واجب وطني يعبر عن الضمير العام، ويعكس موقف الدولة بكافة إداراتها، الأردن منذ تأسيسه قبل 100 عام حمل الهمّ العربي، وانبرى للدفاع عن القضية الفلسطينية، لا يمكن لأحد أن يشطب من التاريخ دماء الأردنيين وتضحياتهم، ولا من الحاضر مواقفهم المشرفة من أجل «الحق «العربي والفلسطيني، لكن حين تتحول المظاهرات إلى منصات لتجريح الدولة وتخوينها، وإلى حراكات مشبوهة لإضعافها وإلحاقها بعواصم الفوضى؛ يصبح من الضروري أن نقول: كفى.
لمصلحة من هذه الهجمة على الدولة الأردنية والتحريض ضدها؟ ولمصلحة من هذا العبث بنواميسنا ووحدتنا الوطنية؟ هل يصب في مصلحة غزة والمقاومة تكسير صورة مؤسساتنا، وإهانة حراس أمننا البواسل، وإلصاق اتهامات الخيانة بنا، ونشر الكراهية بيننا؟ نحن الأردنيين، بلا استثناء، احرص على غزة المنكوبة من المزاودين والجاحدين الذين لم يذكروا معاناة أهلها إلا في سياق توزيع الإتهامات علينا، وتحميلنا أخطاء الذين ركبوا موجة النضال والمقاومة، وتقمصوا جوع الغزيين ومعاناتهم، فيما لم يقدموا لغزة إلا الصراخ بالشارع، ولم يذكروا بلدنا يوما بكلمة خير، او يردوا عليه التحية بمثلها.
لكي نفهم ما حدث على صعيد حالة «التظاهر» وحركة الشارع، لابد من التذكير بأكثر من واقعة، أولا: موقف الدولة الأردنية منذ 7 أكتوبر كان، ومازال، متقدما ولا يمكن مقارنته بأي موقف عربي أو إسلامي من حيث القوة والوضوح في رفض العدوان، وتأييد الحق الفلسطيني، ودعم أهل غزة، وهو يستند إلى إدراك واعٍ وعميق لكل ما جرى في غزة، وما يترتب عليه من أخطار واستحقاقات قادمة.
ثانيا: بدأ الشارع الأردني من خلال حراكاته، كجسد وقلب واحد، متفهما لهذا الموقف ومنسجما معه، ثم دخلت على خطه، واستفردت به بعض الأطراف المحسوبة على خط مقاولي المقاومة، فأخذوه إلى زاوية حساباتهم ومصالحهم، كان هدفهم نقل الأزمة من غزة إلى عمان، لكنهم فشلوا في ذلك، بعد نحو ستة أشهر كرروا المحاولة، إثر دعوات علنية وتدخلات غريبة، سمعناها تتردد على لسان أكثر من مسؤول في تنظيم حماس وغيرها، عنوانها «امتزاج الدم» وفتح الحدود، وزج الأردن في الحرب، للأسف نجحوا بتحشيد الشارع، وأطبقوا على رقبة الخطاب العام، وأفرغوا غضبهم باتجاه البلد ورموزه وتاريخه وتضحياته.
ثالثا : كان من الواجب أن تتجه بوصلة الاعتصامات والتظاهرات إلى عنوان واحد، وهو وقف الحرب وإدانة العدوان ودعم صمود الأهل في غزة، لكنها انحرفت نحو عناوين أخرى، هدفها واضح ومكشوف، وهو تحويل ملف غزة في بلدنا من ملف سياسي إلى ملف امني، من يتابع حركة المحتل ومخططاته يفهم ذلك تماما، المطلوب تحضير الأردن للمرحلة القادمة، وأساس ذلك الإجهاز على أمنه واستقراره، وزعزعة جبهته الداخلية، وإرباكه بما يكفي لتمرير ما يلزم من اجندات مشبوهة.
رابعا : أعرف أن الدولة الأردنية أقوى وأكثر حكمة وعقلانية، وأنها تتعامل مع حالة التظاهر بمنطق الاستيعاب لانفعالات الشارع وحقه بالغضب على ما يحدث في غزة، أعرف، أيضا، أن إداراتنا الأمنية والسياسية لديها ما يكفي من خبرة وتجربة، ومن معلومات، أيضا، لمواجهة أي تهديد يمس أمننا الوطني، وقد تجاوزنا فيما مضى ما هو أصعب، لكن ما يقلقني هو غياب صوت النخب العاقلة الرديفة والمساندة للدولة، وهيمنة خطاب واحد على الشارع يستغل الحدث ويحاول أن يفرضه على المجتمع تحت لافتة (من ليس معنا فهو ضد المقاومة)؛ مع افتقاد الخطاب الوطني القادر على إعادة تصويب المسار في إطار عنوانه ( الحفاظ على الأردن لا يتعارض، أبدا، مع دعم غزة وفلسطين) لأن الأردن القوي الصامد هو السند الدائم للأشقاء هناك.
خامسا: لكي لا نقع في فخ التهويل أو التهوين مما يحدث في الشارع، أرجو أن ندقق في «حالة التظاهر» من حيث الهتافات، والأطراف المشاركة التي تتقدم الصفوف، والرموز التي يتم استخدامها، والمطالب المرفوعة، والجهة المستهدفه، سنكتشف أن المضامين تتركز على تخوين الدولة وإحراجها، والضغط على أعصابها والاستقواء عليها، وأن الرموز المرفوعة تم استدعاؤها من خارج السياق الوطني، كما أن القائمين على الاحتجاجات يندرجون في سياق سياسي عابر للحدود، ولا تشكل الأردن أولوية لهم، كما انهم لا يقدرون اللحظة الصعبة والخطيرة التي نواجهها، وتستدعي الحفاظ على تماسكنا، وتعزيز وحدتنا، والاستعداد للتصدي لاعدائنا الذين يستهدفون بلدنا، وفي مقدمتهم الكيان المحتل.
سنكتشف، أيضا، أن وراء هذا التحشيد قوى أخرى خارجية أعلنت عن نفسها بدون أي حساب لسيادة الدولة، وقوى أخرى مخفية، أخشى ما أخشاه أن يتحول هدف التظاهر نقل الأزمة من غزة إلى عمان، وأن يتحول التصعيد السياسي إلى تصعيد انقسامي، وأن يمتد جغرافيا لكي يشكل، عن سابق قصد، إرهاقا للدولة وإخلالا بالأمن الوطني، وتقويضا لسلامة المجتمع، هذا كله، لا يصب بمصلحة الأردن، ولا مصلحة فلسطين وغزة، وعليه أصبح من واجبنا ان نقول: شكرا لكم، رسالتكم وصلت، والا فمن واجب الدولة أن تتحرك لإعادة البوصلة للاتجاه الصحيح.