نقيب الصحفيين "راكان السعايدة" يكتب في عمق الحدث ... الأردن المستهدف

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
راكان السعايدة 
تاريخيا، لم يكن الأردن في الذهنية الصهيونية يشكل أكثر من حيز جغرافي لتصفية القضية الفلسطينية، وبأدوار محددة أبقته تلك الذهنية حبيس أسئلة ذات طابع وجودي لم تحسم إجابتها تلك الصهيونية. 

في العام 1989 وضع مركز يتبع جامعة "تل أبيب" يدعى "مركز جافي للدراسات الإستراتيجية"، قبل أن يتغير اسمه لاحقًا، دراسة تحت عنوان: "الضفة الغربية وغزة: خيارات إسرائيل للسلام". تلك الدراسة أشرف عليها الدبلوماسي الأميركي الصهيوني "مارتن إنديك" ووضعت ستة خيارات للسلام لا مجال لذكرها الآن، وإن كانت أغلبها معروفة، لكن أهم ما فيها كان السؤال المعلق حول الأردن ووجوده وأين هي مصلحة "إسرائيل" في ذلك؟. 

والخطر، اليوم، أكبر على الأردن مع صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يراه وطنًا وبديلًا، لتفريغ الضفة الغربية، وربما لاحقًا جزءًا من "إسرائيل الكبرى" المشروع النهائي للصهيونية. وإذا كانت "إسرائيل" تستهدف بلدانًا عربية عدة، فهي تضع الأردن في قلب هذا الاستهداف وأولويتها الأولى، ما يجعل المخاطر على الأردن هي الأكبر على الإطلاق والأكثر تركيبًا وتعقيدًا. لذا؛ نظرة الأردن إلى "إسرائيل" يجب أن تكون مختلفة تمامًا عن نظرة أي دولة عربية أخرى، ولا يجب أبدًا التساهل أو التسامح مع نواياها ومخططاتها، ويجب تقييمها وقراءتها بموضوعية تامة، وصولًا إلى استنتاجات محددة ومقاربة اشتباك واضحة.


 والبداية تكون بفهم ظروف الأردن الداخلية ومحيطيه القريب والبعيد، إقليميًا ودوليًا، بوصفها البيئات التي يمكن أن تستفيد منها "إسرائيل" وتعمل في سياقها لإنفاذ مشروعها ولو جزئيًا. 

أولًا: الأردن يعاني وضعًا اقتصاديًا صعبًا ومتفاقمًا، لا سبيل لإنكار ذلك أو التقليل منه، وكأن المطلوب أن يبقى يعاني اقتصاديًا ليبقى رهينة للمساعدات والمنح من القريب والبعيد، وبما يؤدي في محصلته إلى التأثير على خياراته وقراره السياسي.

 ثانيًا: الإبقاء على مسألة الهوية شائكة، والتلاعب بمختلف الثنائيات لضمان عدم تماسك الجبهة الداخلية، والتأكد من أن الثغرات في الجدار الوطني قائمة وتتسع بحيث لا تتوافر كتلة موحدة حاسمة في مواجهة الأخطار. 


ثالثًا: الأردن مكشوف الظهر عربيًا وإسلاميًا، وهذه حقيقة، وإن أظهرت المواقف السياسية الدبلوماسية ومجاملاتها العلنية خلاف ذلك، فالمُضمر الكامن في مخططات دولٍ عربية ليس خيارًا، لأن هذه الدول تريد من الأردن مواقف وسياسات وقرارات تتفق مع مصالحها ولو أضرت بمصالح الأردن.

 رابعًا: لا أميركا، ولا أيًا من دول أوروبا، يشكل لها الأردن أولوية تتقدم على "إسرائيل"، فأمام مصلحة الكيان ووجوده ودوره كشرطي في المنطقة تسقط جميع مصالح دول المنطقة، فضلًا عن أن لأميركا وأوروبا مصالح في المنطقة لم تر أن دولة عربية يمكنها الاضطلاع بها أو حتى تثق بقدرتها على ذلك.

 العناصر الأربعة أعلاه التي هي الأساس، ويتبعها العديد من العناصر التفصيلية التي لا بد وأن تكون قاعدة التفكير والتقييم وطنيًا لفهم قواعد التفكير الصهيوني والبيئات التي يعمل خلالها، ومن قبل يعمل على وجودها وتعظيمها خدمة لمخططاته. 


ومع الأسف، الأردن مشغول اليوم بمسألة التظاهرات والاستقطابات المرافقة لها، في ما يشبه القفز عن المخاطر الحقيقية ذات التهديد الوجودي. هذا يتطلب من الرسمي والأهلي لحظة توقف وتفكير قبل توسع الاستقطابات غير المنطقية، لحظة توقف لتقييم استراتيجي لهوية العدو الحقيقي والتاريخي، وتحديد طبيعة المخاطر التي يضمرها للأردن.

 وأي تفكير وتقييم سينتهي بالضرورة إلى أن الخطر "إسرائيلي" بحت، يدعمه واقع داخلي غير مريح وظهر مكشوف ومعطيات إقليمية ودولية لا يشكل الأردن أولويتها.. فكل طرف يريد مصالحه وحده، ومن خلفه الطوفان. ما المطلوب..؟

 أولًا: رجال دولة في مواقع المسؤولية، رجال دولة حقيقيون لا موظفين بمواقع وظيفية كبيرة، فعقلية رجل الدولة تختلف كليًا عن عقلية الموظف. 


ثانيًا: جبهة داخلية قوية ومتماسكة حريصة ألا تحدث أي ثغرة في الجدار الوطني، تفهم بشكل يقيني أن الخطر هو "إسرائيل" التي تفرح لأي خلل في البناء الوطني، وتفهم بشكل يقيني واقع الدولة وظروفها الداخلية ومحيطها وما يخطط لها.

 ثالثًا: مقاربة وطنية إجماعية، أو تحقق أعلى درجات الإجماع، لمواجهة العدوان الصهيوني على فلسطين وفي القلب منها قطاع غزة التي تباد ويجوع شعبها. 

رابعًا: القرار الأردني يجب أن يكون وطنيًا خالصًا، يضع مصالح الأردن فوق مصالح أي دولة أخرى، والأساس فيه الدفاع عن فلسطين وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وقبله وقف العدوان الهمجي الفاشي على قطاع غزة.


خامسًا: الاستثمار في هزيمة "إسرائيل" على أيدي المقاومة في قطاع غزة، لإضعاف الكيان الصهيوني ودفعه للتخلي عن مشروع تصفية القضية الفلسطينية أو التفكير في الأردن وطنًا بديلًا أو جزء من "إسرائيل الكبرى".

سادسًا: في سياق النقطة الأخيرة، ترسيخ اليقين من أن صمود المقاومة وشعب غزة يصب في صالح الأمن القومي العربي والأردن في القلب منه، وأي كسر لذلك، لا قدر الله، سيكون الأمن القومي للعرب والأردن مكشوفًا تمامًا. 

سابعًا: على قوى المعارضة في الأردن، مهما كانت خلفياتها، الإبقاء على ثباتها ودعمها للمقاومة وشعب غزة، لكن من غير أن تقدم، بحسن نية ومن دون أي قصد، أي خدمة لأعداء الأردن من صهاينة وغيرهم. إن اللحظة التاريخية الراهنة هي الأكثر خطورة والأشد تعقيدًا، ويجب على المستويين، الرسمي والأهلي، ألّا يقللا منها أو حتى عدم التقاط مخاطرها وما تجلبه من تهديدات وجودية. 

فعلى الجميع تقع مسؤولية حماية الأردن وفلسطين، ومطلوب من الجميع مقاربة مشتركة تواجه العدو "الإسرائيلي" وتفشِل مخططاته، وأول ذلك إفشال مخططاته في قطاع غزة، وإلاّ سيكون الثمن باهظًا، وباهظًا جدًا.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences