تأملات في قيمة الحياة … تأملات في قيمة افق العمل السياسي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
سمر دودين …

تشكل المرحلة المقبلة لحظة فارقة على مستوى المشهد السياسي العام في الأردن، وملامح التحول الديمقراطي الذي يعد أحد نتاجات مسارات التحديث الثلاثة في الدولة،  ويعكس رغبة كبيرة في الانتقال الى شكل جديد ومختلف من الحياة العامة. 

في ضوء هذا التغيير تنخرط القوى السياسية في مساحات فعل سياسي مختلفة ومشتبكة، منها ما هو جاهز نتيجة لتوافر عوامل دفع مولدة لها ، ومنها ما هو في طور الاعتمال و يشهد مخاضات صعبة تشبه الولاده الجديدة ..
ان وسط اليسار الذي يقوده اليوم الحزب الديمقراطي الاجتماعي،  يقع في قلب هذا الاعتمال و المخاض ، وسط تقديرات بأن يكون رقما صعبا في معادلات المشهد السياسي الاردني ، لأسباب موضوعية تتعلق بكونه حزب يأتي من خارج العلب الكلاسيكية التقليدية، ولأسباب ذاتية أيضا تدور حول بناء مؤسسي حزبي قوامه العمل العصامي لمجموعه من المؤمنين المبادرين و الممارسين للتفكير النقدي باعتباره لغة عصر المعرفة وبوصفه الأكثر فاعلية مقابل لغة المسلمات والقوالب الجاهزة. 

هدفنا هو ترسيخ مبدأ سيادة القانون ونحت مدنية الدولة المعاصرة ومؤسساتها كما نفهمها نحن وكما هو تعريفنا الوطني والعلمي لها، لا كما يحاول البعض تشويهها والزج بها في صور لا تمت لها بصلة! لأن من شأن ذلك أن يقوض ويحاصر كل من يعتقد نفسه أنه فوق القانون، تحديدا أصحاب الفكر الخلاصي ، الذين يحاولون احتكار وحصر الحقيقة في أيديهم، ويفرزون الناس في ثنائيات مرضية وحادة بين جيد وسيء، بين مؤمن وكافر، بين وطني وخائن، والى آخره من التقسيمات، ولا يكتفون بذلك بل ويلاحقون من يخالفهم ويؤذونهم في حياتهم وفي مماتهم. 

هذا الفكر الخلاصي الذي لا يمل من السحب المستمر من الرصيد العقائدي ورصيد الأعراف والتقاليد والموروث لكسب شرعية حول خطابه لجمهور أوسع، كما يسحب من رصيد القضية الفلسطينية عند كل مفترق . 
ومن المفارقات غير الصحيحة لديهم  أنهم يقولون مثلا عن أحداث ال 7 من أكتوبر بأنها نقطة تحول كشفت زيف الأفكار والقناعات التي تختلف عنهم.

وفي مقاربة سريعة لتفكيك هذا الخطاب الواهم، يكفي الإشارة أن مجمل المساعدات الغربية مثلا التي تلقتها غزة بلغت 84% في حين بلغت مساعدات 57 دولة اسلامية مجتمعة فقط 10% ! 
أما على المستوى الشعبي فمهم ان نعرف أن دول اسلامية بتعداد سكاني يتخطى مئات الملايين مثل اندونيسيا وباكستان وأفغانستان ونيجيريا وبنغلادش نظموا مظاهرات قليله جدا منذ بدء العدوان على غزة!!! 
في حين تستمر الشعوب  العربية و الغربية و الشعوب التي تحمل التضامن الأفريقي و الآيرلندي و امريكا اللاتينيه و إسبانيا و كوبا … تستمر هذه الشعوب الحرة و الحيه في الانتفاض والاحتجاج من قبل قوى سياسية واجتماعية ومدنية متعددة ومتنوعة .
وحتى نكون واضحين، لا يعني هذا الكلام تمجيد الغرب أو انكار ازدواجية المعايير التي تطبقها حكوماتها وتواطئها مع الكيان الاسرائيلي المحتل، أبدا، انما هو نقض علمي لمن يريد أن يختزل القضية الفلسطينية في سياق  واحد !!! بل من اجل التاكيد على أن الملف الفلسطيني هو ملف إنساني أممي عالمي، وأن هناك قوى سياسية  اجتماعية وحركة شعبية عالمية مؤيدة لفلسطين،  وداعمة لها ، ومن المهم التشبيك معها في ظل موازين قوى غير متكافئة.

ولأن الأردن يستحق منا العمل الصادق ، وتكيفا مع متطلبات العصر والتطور العالمي في كل المجالات، 
فإننا نقول أن التعددية السياسية والثقافية هي المخرج الوحيد من الأزمة المركبة التي نشهدها، وأن المجال العام المفتوح بالتساوي أمام الجميع دون احتكار او تفرد هو المطلب لبناء أردن قوي ومجتمع حر ومتماسك،
كما أن اتاحة المساحة للشباب باعتبارهم قوة دفع للأمام شيء لا يمكن التنازل عنه ابدا، خاصة وأنهم ينتمون الى عصر مختلف ، ويمتلكون ادوات معرفة جديدة، ولديهم قدرات هائلة على التفكير النقدي وإعمال العقل والسؤال والاكتشاف والبحث والتقصي ، اضافة الى شجاعة مطلقة في الاشتباك في المجال العام، على الرغم من محاولات اختطاف بعض الفئات الشبابية والغاء عقلهم واغراقهم في المسلمات والغيبيات والخرافات والطاعة غير المشروطة. 

هذا الجيل الذي يبدع في خلق مساحات خاصة له ويبدع أكثر في إبراز قدراته وشجاعته متحررا من قيوده ومن هواجسه، ويتحرك بديناميكية عالية ورشيقة، ويفهم قيمة الحياة بأنها مختبر للتجربة والتعلم ، و ان مساحة التجربة و الانفتاح الفكري و القلبي اساس في بناء خيارات الانتماء السياسي الذي هو حق للفرد مكفول في القانون و ان فزاعة الوصاية الأخلاقية التي تستخدم لمهاجمة حق الأفراد و الحكم عليهم ، هو شكل من أشكال التنمر السائد في فضاء عام ما زال يعتمل ، من اجل ممارسة المواطنة المسؤولة التي لا تكتمل إلا بتعددية سياسية و ثقافية أصيلة ومتجذرة، فقدت سرديتها لأسباب كثيرة،  و علينا جميعا ان نمتلكها من جديد في مساحة الشجاعه التي نبنيها بالعمل و التقدم بمزيد من العمل ..
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences