لماذا خسر اصدقاء اسرائيل في الانتخابات الفرنسية الاخيرة ؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
  
مهدي مبارك عبد الله

في اطار مغامرة انتخابية غير محسوبة النتائج اعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 9 حزيران الماضي حل البرلمان تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة بهدف حصول حزبه " النهضة " على الأغلبية التي تتيح له تنفيذ برنامجه السياسي دون الحاجة إلى التحالف مع أحزاب أخرى بعد فوز حزب التجمع الوطني بأكثر من 31 بالمئة من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي وهزيمة كتلة ماكرون الوسطية بعد إخفاقات القيادة السياسية في فرنسا بالعديد من الأزمات الراهنة غللى المستوى الداخلي والخارجي

حصاد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية أظهر تصدر تحالف " الجبهة الشعبية الجديدة " اليساري في المرتبة الاولى فيما جاء "ائتلاف معا" الوسطي برئاسة الرئيس ايمانويل ماكرون في المرتبة الثانية وحل حزب " التجمع الوطني " اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان في المرتبة الثالثة بعدما كان متقدم في الجولة الأولى من التصويت والانتخابات الاخيرة لم تسفر عن تحقيق أي معسكر للأغلبية المطلقة المتمثلة بالفوز بـ 289 مقعدا في البرلمان

بعد النجاح الكبير في الانتخابات أعلنت " ماتيلدا بانو " رئيسة الكتلة النيابية لحزب فرنسا الأبية أن خطة عملهم تتضمن في برنامجهم المقبل الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين ودعم وقف فوري لإطلاق النار في غزة والمطالبة بفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية طالما أنها لا تحترم القانون الدولي في غزة والضفة الغربية وقرار تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل المشروطة باحترام حقوق الإنسان وايضا مساندة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة والسعي لإصدار قرار بحظر تسليم الأسلحة الفرنسية لإسرائيل والعمل في نفس الوقت من أجل تحرير الرهائن الاسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس بالإضافة الى حثّ الاتحاد الأوروبي وخاصة البرلمان الأوروبي على اتخاذ قرار يقضي بتعليق الشراكة بين الاتحاد والكيان الإسرائيلي كخطوة دبلوماسية ضرورية لعزل حكومة الكيان ونتنياهو دولياً

في ذات السياق قال زعيم الحزب " جان لوك ميلنشون " أن هذه الخطوات تمثل احد أهم آليات الضغط للدفع قدما نحو تحقيق السلام في المنطقة فيما اعتبر المرشح " جوردان بارديلا " زعيم التجمع الوطني أن الاعتراف بدولة فلسطينية يعني الاعتراف بالإرهاب الفلسطيني خاصة بعد هجمات حركة حماس غير المسبوقة داخل إسرائيل كما اتهم زعماء من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون بعض مرشحي اليسار المتطرف بمعاداة السامية ورفضوا تأييدهم في الجولة الثانية من الانتخابات و قد يؤدي هذا الفوز الغريب إلى المزيد من الانقسامات داخل الجمعية الوطنية " البرلمان " خصوصا مع عدم خروج أي أغلبية مطلقة من صناديق الاقتراع

بعد النتيجة المخالفة لكل التوقعات والتي جاءت بشكل مفاجئ بفوز ائتلاف الأحزاب اليسارية الممثلة بالجبهة الشعبية الجديدة بالانتخابات الفرنسية أثير قلق واسع لدى مسؤولين إسرائيليين وصل حد مهاجمة بعضهم لنتائجها واعتبارها سلبية وسيئة جدا على إسرائيل وعلى الجالية اليهودية في فرنسا حيث وصف " عاميحاي شيكلي " وزير يهود الشتات في الحكومة الاسرائيلية من يحتفلون بنتائج الانتخابات الفرنسية بالمهرجين كما زعم يان رئيس ائتلاف اليسار الفرنسي ميلانشون يكره إسرائيل من كل قلبه وروحه خاصة بعدما اعلن رفضه ادانة هجمات السابع من أكتوبر وتصنيف حركة حماس كمنظمة إرهابية ورغبة من شيكلي في تعميم نظرة التخوف والسوداوية اتجاه نتائج الانتخابات الفرنسية أكد بان الرئيس الفرنسي ايماتويل ماكرون ( ألقى بالجالية اليهودية الى أسفل الحافلة ) وان هذا التحالف اليساري سيقود أوروبا إلى الهاوية لكن الصحوة ستأتي في النهاية وهو ما دعا الرئيس ماكرون خلال اتصال هاتفي قبل الانتخابات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للاحتجاج على تصريحات الوزير الإسرائيلي حول الانتخابات العامة واعتبرها تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية لبلاده حيث يهدف من وراء تصريحاته العلنية إلى دعم حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد بزعامة مارين لوبان لرئاسة فرنسا وهو ما يضر بالعلاقات الفرنسية الإسرائيلية على المديين القريب والبعيد

ما قاله الوزير شيكلي ونشره في تغريدة له على منصة Xيتوافق كليا مع ما اعلنه " أفيغدور ليبرمان " عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حزب " إسرائيل بيتنا " الذي أشار أيضا إلى أن ميلانشون والعديد من أعضاء حزب " فرنسا الأبية " يظهرون معاداة واضحة للسامية كما دعا ليبرمان يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل لأن انتصار حزب يساري راديكالي في فرنسا يمثل تصعيدا كبيرا في معاداة إسرائيل وشعبها خاصة بعد نصاعد المظاهرات في العالم ضد إسرائيل ودعما للفلسطينيين وهو ما لم يحدث منذ سنوات عديدة وبعدما كان اليمين المتطرف أقرب ما يكون إلى السلطة انقلبت الصورة رأسا على عقب ونجح ائتلاف اليسار واحتقل رفاق لينين وترودسكي بنصر تاريخي ساحق 

معركة طوفان الاقصى ومعظم القضايا المتعلقة بالحرب على غزة ودعم فرنسا لإسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية كانت ملفات حاضرة بقوة في معظم برامج الحملات الانتخابية للمرشحين على اختلاف أراءهم وتحالفاتهم وهي تغطي بّظلالها على البعدين الإقليمي والدولي وقد جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية امتدادا لهذه الظلال التي تشكل معها تغير كبير في وعي الناخب الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية وإدراكه لمظلومية الشعب الفلسطيني وكذب وتهافت السردية التي روجها الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة وبحسب إحصائيات الوكالة اليهودية لإسرائيل يوجد في فرنسا 440 ألف يهودي

الطامة الكبرى والمدوية في خسارة اصدقاء اسرائيل في انتخابات فرنسا الاخيرة تمثلت في سقوط المرشح النائب السابق ورجل الاعمال الفرنسي الإسرائيلي " مئير حبيب " صديق نتنياهو ورفيقه المقرب الذي يعيش تحت حماية الأمن ويعتبر المدافع الشرس عن الجرائم الإسرائيلية في غزة وصوت الليكود في فرنسا حيث يقتصر نشاطه بالحديث عن اليهود الفرنسيين وقد وصف مؤخرا الفلسطينيين بأنهم ( سرطان مستشري ) يحب استئصاله وقد كان على الدوام يحرض على جرائم الحرب والعنصرية والتمييز ضدهم وبناء على ذلك طالبَ 39 نائبا يساري في البرلمان الفرنسي في رسالة إلى رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية برفع الحصانة البرلمانية عن حبيب لمحاكمته على خلفية تصريحاته تحت قبة البرلمان حول احداث غزة ورغم دعم نتنياهو وغالانت الكبير له في الانتخابات الفرنسية الا انه فقد مقعده في تمثيل الفرنسيين في الخارج لصالح اليسار بهزيمته أمام " كارولين يادان " ممثلة حزب " جميعا من أجل الجمهورية " الذي ينتمي له الرئيس ماكرون لتضيف هزيمة جديدة لليمين المتطرف

خلال جلسة برلمانية صاخبة كما هي عادة البرلمان الفرنسي وبعد سؤال للحكومة عن سبب عدم قيام فرنسا بأي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لمنعها من ارتكاب مجازر جديدة في رفح وجهته النائبة اليسارية " آلما ديفور " من حزب فرنسة الأبية اليساري المعارض والمعروف بمواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية قام زميلها النائب " سيباستيان ديلوغي " برفع العلم الفلسطيني داخل القاعة ما دفع رئيسة البرلمان المنتمية لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون والمعروفة بمواقفها المؤيدة لإسرائيل بتعليق جلسة البرلمان فوراً ومن ثم إقرار عقوبة بحقه حيث منعته عن المشاركة في الجلسات البرلمانية لمدة خمسة عشر يوماً وهي أقصى عقوبة يمكن للبرلمان إقرارها بحق نائب بالإضافة إلى خصم جزء من مستحقاته المالية 

الفرنسيون نجحوا بشكل لافت في إقبالهم على صناديق الاقتراع لمعاقبة الماكرونية السياسية واليمين المتطرف واصدقاء اسرائيل معا وفي خلدهم موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يكتفِ بزيارة إسرائيل في 24 أكتوبر2023 بعد ثمانية عشر يوم من أحداث السابع من أكتوبر لإعلان تضامن باريس مع تل أبيب بل دعا إلي تشكيل تحالف دولي ضد حماس علي غِرار التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا وقبل الزيارة علق دبلوماسي فرنسي سابق قائلا يبدوا أن ماكرون قد فاته القطار فذهب لإسرائيل متأخر

وعلى الرغم من تراجع موقف الرئيس لفرنسي من الحرب في غزة لاحقا بعدما عاد وانتقد قصف إسرائيل للمدنيين وصرح أنه لا يوجد مبرر لقصف إسرائيل للأطفال والسيدات والمسنيْن والمستشفيات وليس هنالك سبب ولا شرعية لذلك كما دعاً لوقف إطلاق النار الفوري في غزة ورفض اقتحام إسرائيل لرفح ولكن هذا التحول لم يسعفه كثيرا حيث كانت صناديق الاقتراع ساحة المعركة الفاصلة واوراق التصفية النهائية بينه وبين الراي العام الفرنسي الذي لم يحتمل متابعة مشاهد الابادة الجماعية اليومية والقتل والتدمير المتعمد لكل اسباب الحياة فوق ارض غزة خاصة بعدما طال أمد الحرب الوحشية الصهيونية وسقوط عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين قتيل ومفقود بسبب القنابل الإسرائيلية وتكثيف الحصار ومنع وصول المساعدات وانتشار المجاعة في معظم أنحاء القطاع والتي ادت الى موت الاف الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والضعفاء يضاف الى كل ذلك رفض نتنياهو المطلق لجميع مبادرات وقف اطلاق النار وإنهاء المجزرة ومعاناة الفلسطينيين

يبدو واضحا ان الظروف العملية بعد طوفان الاقصى اسست لمرحلة جديدة لحزب " فرنسا الأبية " الذي قاد التظاهرات المؤيدة لفلسطين في البلاد وأدرج القضية الفلسطينية في حملته الانتخابية وفي انتخابات البرلمان الأوروبي كما رشح الحزب " ريما حسن " وهي من أصول فلسطينية لانتخابات البرلمان الأوروبي وقد نجحت لتكون أول عضو فلسطيني في البرلمان الأوروبي وهكذا بدأت إسرائيل تخسر أكبر داعميها لصالح القضية الفلسطينية بسبب غطرستها واجرامها المتوحش وفهم الالم لحقيقتها النازية 

ختاما من الضروري ان نفهم انه على مر التاريخ حاول صناع السياسة الخارجية في فرنسا الحفاظ على توازن بين علاقة فرنسا الاستراتيجية بإسرائيل من جهة وبين المواقف المتضامنة مع الجانب الفلسطيني من جهة أخرى وفي الغالب كانت تميل الكفة الراجحة لصالح كيان الاحتلال الارهابي الغاصب

كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com         
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences