نظامنا التعليمي حجر عثرة أمام الإصلاح المنشود
الشريط الإخباري :
أ.د رشيد عبّاس
حان الوقت لكي نتصارح, ونضع النقاط على الحروف, ونكشف مستور نظامنا التعليمي كحجر عثرة أمام الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المنشود في الأردن, ويكفي ما خلفه نظامنا التعليمي من حالات ارباك وتخبّط في إعداد الفرد الأردني حتى بات حقل تجارب متعدد الأوجه.. الأمر الذي انتجنا معه أفراد عبر عدة عقود تتعارض مع رؤية نظامنا السياسي وتطلعاته المستقبلية.
كان علينا أن نضع نظامنا السياسي ومنذُ زمن بعيد في صورة واقع هذا النظام التعليمي المتعثر, وأن نعترف أمام نظامنا السياسي أن جميع الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها الأردن خلال الحقبة الماضية كانت وما زالت بسبب نظامنا التعليمي, واعتقد جازماً أن هناك إشارات مبكرة من نظامنا السياسي ممثلة بالأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني والتي تدعو جميع النخب والقيادات الأردنية إلى الاستدارة بمعناها الاصلاحي, وقد خصّ جلالته في تلك الأوراق دعوته للنخب والقيادات التربوية إلى عمل استدارة شاملة لإصلاح التشوهات التي إصابة جسد نظامنا التعليمي, لكن للأسف الشديد لم يكن هناك أية استجابة تُذكر حتى وقتنا الحاضر.
ماكنة نظامنا التعليمي ومنذُ أكثر من عقد من الزمن لم تطرح لنا افراد مؤهلين لديهم رؤيا واضحة المعالم لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة, وفي كل مرة يقوم النظام السياسي بتحفيز هؤلاء الافراد لكي يمارسوا دورهم الحقيقي من خلال توفير جميع متطلبات المرحلة, إلا أن مثل هؤلاء الافراد لديهم قصور ذاتي يعود إلى التخبطات الحاصلة في بنية النظام التعليمي والتي من شأنها بناء أفراد أردنيين بناءً يستطيعوا معه مواجهة التحديات الطارئة واقتراح البدائل في نفس الوقت, حتى أصبحنا اليوم أمام قيادات سياسية واقتصادية واجتماعية تعمل على دفن الأزمات, أو ربما ترحيلها أمام القادمين.
مشكلتنا اليوم تنحصر في بناء الفرد الأردني:
مسؤولية بناء الفرد الأردني تقع أولاً وأخيراً على عاتق نظامنا التعليمي, وللأمانة المشكلة لا تتعلق بالمناهج الدراسية, ولا بالبناء المدرسي, ولا بنقص المعلمين.. ولا ببناء بنك أسئلة ولا بعمليات التقييم, ولمعرفة اين تقع المشكلة, يمكن لنا هنا الاستدارة قليلاً لنتوقف عند مخرجات النظام التعليمي والذي كشف ويكشف عنه امتحان شهادة الدراسة الثانوية/ التوجيهي كل عام دراسي, حيث أننا نعيش أزمة حقيقية عندما ينعقد فيها امتحان شهادة الدراسة الثانوية/ التوجيهي من كل عام, لنكتشف معه جملة من التحديات المتأصلة في نظامنا التعليمي والمتعلق حصراً (بطرق التعليم) في نظامنا التعليمي.
طرق التعليم في نظامنا التعليمي قاتلة بمعنى الكلمة.. تقتل العقل وعملياته وتبقي على أعضاء الجسد الأخرى فاعلة دون فائدة, تلك الطرق أدت بدورها إلى إنتاج أفراد للدولة ليس لديهم أدنى مستوى من مستويات من المهارات الحياتية الضرورية للإدارة بشكل عام وللمواقع الوظيفية المتقدمة بشكل خاص والمتمثلة في: مهارة الحوار والنقاش البنّاء, مهارة القدرة على التفاوض, مهارة الاعتراف بالأزمة, مهارة قبول الرأي والرأي الآخر, مهارة الاتصال والتواصل مع الآخرين.. إلى غير ذلك من مهارات, وهذه المهارات جاءت مفصّلة في الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبد الله الثاني.
الازمة الحقيقية التي تكشفها أسئلة امتحان شهادة الدراسة الثانوية التوجيهي لدى الطلبة كل عام, تؤكد دون أدنى شك أن هناك قصور كبير في (طرق التعليم) في نظامنا التعليمي, والتي تبدأ من الصفوف الأولى الأساسية وصولاً إلى المرحلة الثانوية والمعنية ببناء المهارات الحياتية للطلبة ليخرج بعد ذلك فرد مكتمل في جميع الجوانب الشخصية التي لا بد منها كي تستطيع هذه الشخصية إدارة مؤسسات وشؤون الدولة فيما بعد.
وللدخول في عمق المشكلة, نجد أن نظامنا التعليمي منذُ اكثر من قرن يتبني مجموعة من (طرق التعليم) أدت بدورها إلى مجموعة من الاخفاقات النفسية والعقلية لدى الطلبة, وإلى خلق ارتباك في البناء المعرفي لدى هؤلاء الطلبة, وبوقفة سريعة نجد أن النظام التعليمي في أمريكا مثلاً يعتمد فقط على طريقة حل المشكلات في التعليم لبناء الفرد الأمريكي, ونجد أن النظام التعليمي في بريطانيا يعتمد فقط على طريقة الاستقصاء في التعليم لبناء الفرد البريطاني, في حين أن النظام التعليمي في اليابان يعتمد فقط على طريقة تنمية التفكير في التعليم لبناء الفرد الياباني, وهذا يعني أن مثل هذه الدول لم تتبنى أكثر من طريقة من طرق التعليم ولم تخلط فيما بينها كما هو الحال عندنا في الاردن, إنما استخدمت طريقة واحدة في التعليم في نظامها التعليمي, ودمجت المهارات الحياتية مع هذه الطريقة.
اعتقد أننا في الاردن قادرون على إعادة النظر في بنية نظامنا التعليمي, وذلك من خلال اعتماد طريقة تعليم واحدة فقط, ولجميع الطلبة ولجميع الصفوف متخطين ومتجاوزين بذلك زيف ما يسمى بالفروق الفردية بين الطلبة, والتي القينا من خلالها بكثير من الطلبة في مساحات ضيّقة من القدرة على الحوار البنّاء, والتفاوض, والاتصال والتواصل, والقدرة على حل المشكلات.. إلى غير ذلك من قدرات عقلية رسمناها مسبقاً عن بعض الطلبة.
بناء مشروع تربوي قائم على تفريد (طرق التعليم) واعتماد طريقة واحدة ولجميع الصفوف وجميع المراحل ودمج المهارات الحياتية مع طريقة التعليم المعتمدة, امر يمكن تطبيقه في أي لحظة, وسيوفر علينا كثير من الكلف المالية, ويختصر الجهد المبذول من قبل المعلمين, ويعمل بالضرورة على توجيه قدرات الطلبة العقلية للأنشطة المنهجية واللامنهجية بأقصر الطرق, الأمر الذي من شأنه الوصول إلى بناء أفراد مزودين بالمهارات الحياتية الضرورية والقادرين على إدارة مؤسسات الدولة لاحقاً.
وبعد..
مشكلتنا تقع في (الأفراد) الذين يديروا مؤسسات الدولة, ومنبع هذه المشكلة يقع على عاتق نظامنا التعليمي, وحلها الوحيد بناء مشروع تربوي يقضي بتفريد (طرق التعليم) واعتماد طريقة تعليم واحدة فقط, ودمج المهارات الحياتية مع طريقة التعليم المعتمدة.