دعاية انتخابية تخالف الحكمة من قانون الانتخاب
د. ليث كمال نصراوين
بدأت مرحلة الدعاية الانتخابية لاختيار مجلس النواب العشرين، حيث شرع المترشحون والقوائم التي تقرر قبول ترشحها من قبل مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب بنشر يافطاتهم وصورهم الشخصية في كافة شوارع عمان ومحافظاتها وعلى الأعمدة والأسوار العامة فيها، والتي تحمل شعارات انتخابية تبشر بمستقبل أفضل للناخبين، وتدعوهم إلى اختيارهم والتصويت لهم دون غيرهم من باقي المترشحين.
وقد تضمن قانون الانتخاب الحالي مجموعة من الضمانات التشريعية التي تهدف إلى كفالة المساواة بين المترشحين والقوائم الانتخابية. فالمادة (20) من القانون تنص على أن تكون الدعاية الانتخابية حرة وفقا لأحكام القانون تنتهي قبل أربع وعشرين ساعة من اليوم المحدد للاقتراع. كما تفرض المادة (21) من قانون الانتخاب على وسائل الإعلام الرسمية معاملة جميع المترشحين والقوائم خلال مدة الدعاية الانتخابية بحياد ومساواة، بحيث لا يتم تمييز قائمة حزبية أو محلية بعينها عن باقي القوائم الأخرى. وهذا الحكم القانوني ينسحب فقط على وسائل الإعلام الحكومية دون الخاصة منها، حيث يحق المواقع الإلكترونية المملوكة لأفراد بعينهم التعاقد مع المترشحين وقوائمهم لتقديم خدمات الدعاية الانتخابية لهم بما يتوافق مع أحكام القانون.
كما فرض قانون الانتخاب النافذ مجموعة من القيود التشريعية على الدعاية الانتخابية، أهمها عدم استعمال الشعار الرسمي للدولة في الاجتماعات والإعلانات الانتخابية، وعدم إجراء الدعاية الانتخابية في الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية والعامة والمؤسسات التعليمية ودور العبادة، وعدم المساس بأي دعاية انتخابية تعود لباقي المترشحين والقوائم، سواء بصورة شخصية أو بوساطة أعوان ومؤيدي المترشحين في حملاتهم الانتخابية.
وتبقى الملاحظة الأبرز على الدعاية الانتخابية التي يتابعها الناخب الأردني يوميا ويشهد تنافسا بين المترشحين على حجز الأماكن الأكثر لفتا للأنظار في الشوارع والمناطق العامة، أنها أخذت منحنى مغاير لمقاصد المشرع الأردني وغاياته التي عبّر عنها صراحة في قانون الانتخاب النافذ. فما يميز القانون الحالي أنه قد أنهى فكرة المرشح المستقل، وألزم المترشحون بخوض الانتخابات ضمن قوائم محلية على مستوى المحافظات والدوائر الفرعية في البعض منها، ومن خلال قوائم حزبية تتنافس فيما بينها في القائمة الانتخابية العامة.
إن النظام الانتخابي الحالي يهدف إلى نقل مجموعات من المترشحين، وليس أفرادا، إلى مجلس النواب القادم وذلك من خلال قوائم محلية لا يُشترط أن تتوافر فيها عنصر "الحزبية"، وقوائم أخرى تشكلها الأحزاب السياسية من الأعضاء فيها، والذين اشترط القانون عليهم أن يكون قد مضى على عضويتهم في الحزب السياسي الذي سيترشحون عنه مدة لا تقل عن ستة أشهر على الأقل قبل يوم الاقتراع.
إلا أن المتابع لمجريات الدعاية الانتخابية، يجد بأن شوارع المملكة وأحيائها قد امتلأت بصور المترشحين فرادى مع ذكر اسم القائمة التي يترشحون عنها، حيث عمدت الأغلبية العظمى منهم إلى التفرد في نشر صورهم بأبهى الأشكال والابتسامات، دون الإشارة لباقي الأعضاء في القائمة الانتخابية. حتى المقرات الانتخابية للمترشحين جاءت فردية وخاصة بكل مترشح على حده دون باقي المترشحين في القوائم الانتخابية.
إن الدعاية الانتخابية يُفترض أن تكون للقائمة المترشحة كوحدة واحدة، بمعنى أن يكون التواصل مع جمهور الناخبين بشكل جماعي من قبل جميع المترشحين في القائمة، وليس كل مرشح على حده. فلم نر يافطات لقوائم انتخابية إلا ما ندر، ولم نسمع حتى اللحظة عن برامج انتخابية مشتركة إلا القليل، وكأن المترشحين يعتقدون أن تصويت جمهور الناخبين لهم سيكون على أساس المظهر العام والهندام.
إن طبيعة النظام الانتخابي على مستوى الدوائر المحلية القائم على أساس القائمة النسبية المفتوحة والذي يعطي الحق لكل ناخب باختيار المترشحين الذين يرغب في التصويت لهم دون غيرهم، قد يجده البعض مبررا في التفرد في الدعاية الانتخابية، ذلك على اعتبار أن التنافس بين المترشحين في القائمة المحلية مشروعا ويتوافق مع الآلية التي سيتم فيها احتساب المقاعد الفائزة في مجلس النواب القادم.
إلا أن النظام الانتخابي الذي يحكم القوائم الحزبية على مستوى الدائرة الانتخابية العامة والمتمثل بالقائمة النسبية المغلقة لا يمكن تجاهله من قبل المترشحين والأحزاب السياسية واعتماد الدعاية الانتخابية الفردية. فقلة هي القوائم الحزبية التي قدمت دعاية انتخابية لأحزابها السياسية وابتعدت عن "شخصنة" المترشحين فيها.