كيف نتصدى للتهجير الفلسطيني المحتمل ؟!
منذ النكبة وربما قبلها، والأردن «حذر» من التهجير الفلسطيني للأراضي الأردنية، ورغم كل هذا الحذر
فالأردن أكبر مضيف للجوء الفلسطيني، متحملا بذلك أعباء «وجودية»، بل ويأتي ذلك كله على حساب استقرار تشريعات سياسية وقانونية، بل إن ثمة مطالبات بتعديلات دستورية، بعضها تطالب بكونفدراليات مع شعب تمت سرقة أرضه وحقوقه، وأخرى تطالب بدسترة «فك الارتباط» والابتعاد بشكل قانوني نهائي عن الخلط الذي يخدم اسرائيل، ورغم كل هذه التضحيات الأردنية، التي تأتي على حساب ملفات داخلية كثيرة، إلا أن أصابع الإتهام بل وقصائده ومعلقاته وشطحاته و»مقاوماته»، تفتئت على مواقف الأردن كلما «دق الكوز في الجرة»..كناية عن نضوب الماء أو اختفائه من تلك «الجرّة» المباركة.
ومنذ عام تقريبا، ولا يخلو تصريح سياسي أردني واحد من «رفض تهجير الفلسطينيين» بشكل عام، وإلى الأراضي الأردنية بشكل خاص، وفي الأسبوع الأخير، وعلى خلفية الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأخلاق والأعراف كلها، ما انفك الأردن وعلى أعلى المستويات السياسية يحذر العالم وإسرائيل من تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، وتأتي هذه التصريحات الأردنية على خلفية الهجوم الإسرائيلي على مدن في الضفة الغربية، وتطبيق ما تقوم به في غزة منذ عام على الأراضي الفلسطينية في الضفة، وعلى خلفية تصريحات مسؤولين فيها وانتشار «وعد ترمب» للوبي الصهيوني في أمريكا بتوسيع مساحة «إسرائيل المسكينة»..
لكن ما هي بدائل الأردن لمنع أي تهجير فلسطيني لأراضيه، بما أن العالم يغلق عيونه عن جرائم اسرائيل وانتهاكاتها، ويصمّ آذانه عن التحذيرات الأردنية والعالمية من نتائج هذه الممارسات الإسرائيلية، التي تأتي دوما بمباركات وتأييدات أمريكية؟
ماذا لو تدفق الهاربون من الموت إلى الضفة الشرقية بأعداد كبيرة؟ كيف سيجري منعهم؟ وهل يمكننا عندئذ السيطرة على أطول حدود مع فلسطين المحتلة، التي يجري قتل وحرق شعبها على رؤوس الأشهاد؟ وهل تكفي التحذيرات السياسية الإعلامية الأردنية أم أن الواقع والظروف الإنسانية ستفرض واقعا نعرفه، وتم فرضه سابقا بأكثر من طريقة؟
لو لم ترفض مصر رفضا مطلقا تهجير أهل غزة إلى الأراضي المصرية، لانتهت حرب الإبادة منذ أول شهرين، بخروج أهل غزة ولو للصحراء المصرية، هروبا من الموت، ولو لم «تهدد» مصر الكيان المجرم وكل العالم من خلفه بأن مواقفها ستتغير كلها أمام تهجير الفلسطينيين عنوة لأراضيها.. وكلها سياسات مصرية «قاسية» لكنها في النهاية لصالح فلسطين ولصالح أهل غزة، ولصالح «المقاومة»، فصمود هذا الشعب على أرضه وحتى «موته في سبيل وطنه» هو في النهاية بطولة، وحض على المقاومة والتشبث بالحقوق، وفهم حقيقي للسياسة الأمريكية والصهيونية التي ترتكب كل الجرائم لفرض واقع جديد، رفضته مصر والأردن دوما، لكن مصر ما زالت تنجح في فرضه على الجميع رغم قسوة القرار على الذين يموتون..
التحديات التي تواجه الأردن في منع التهجير الفلسطيني لأراضيها أكبر من تلك التي تواجه مصر ولبنان وسوريا، وليس هذا بسبب الجغرافيا فقط، بل ثمة «ديمغرافيا» أيضا، كان كثرة الهجرات الفلسطينية وتعدد أشكالها، هو سبب تراكمها لتصبح عنصرا صعبا تقف في طريق اتخاذ قرارات أردنية حازمة، وهي حقيقة يجب تغييرها إن كنا حقا نريد حماية بلدنا أولا من هجرات جديدة، وثانيا إن كنا حقا نريد للقضية الفلسطينية حلا عادلا، بعدم بل بدعم الفلسطينيين للصمود والبقاء في أرضهم، وإجهاض المؤمرات المستمرة لتصفية قضيتهم.. فقد كانوا بالأمس يريدون تصفيتها على حساب الآخرين بصفقة قرن، واليوم يعملون على صفقة قرن أيضا لكن باستخدام القوة والنار.
قالت الأردن وما زالت تقول وعلى لسان مسؤوليها المعنيين، بأن أي تهجير جديد للفلسطينيين هو اعتداء على السيادة الأردنية، وهذا ما نلمسه إعلاميا من قبل وزير الخارجية..
يجب أن يقوم الأردن بإجراءات عملية واضحة على الأرض الأردنية المحاذية للحدود الفلسطينية، لوقف ومنع أي تهجير محتمل، فكل الهجرات تم فرضها على الجميع وأصبحت واقعا «مزعجا» بل و»حقوقا مكتسبة» بالنسبة لإسرائيل.. فهل نحن مستعدون رسميا وشعبيا لمثل هذا الاحتمال؟!