مستقبل الإرهاب: القنابل البشرية
«إنها جريمة، جريمة، كل شخص أصبح أقل أماناً بسببها» - إدوارد سنودن، سنودن، ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق.
شاهدت في حياتي جميع أشكال الإرهاب، لكن هذه المرة تفوقت الدولة الإرهابية المارقة على كل المنظمات والأعمال الإرهابية مجتمعة. لقد حولت المدنيين إلى قنابل بشرية، وضغطت على زر لتفجر أجهزة إلكترونية لا تميز بين عسكري ومدني وطفل.
هذا النوع الجديد من الإرهاب مرعب للغاية، فهو يفتح الباب أمام شكل غير مسبوق من الإرهاب لم تعرفه البشرية من قبل. في رأيي، لا يقل هذا الإرهاب أهمية عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو طوفان الأقصى، حيث لن يكون العالم كما كان قبله. فما الضمان أن لا يتم تفخيخ هواتفنا وثلاجاتنا وحواسيبنا؟ بضغطة زر واحدة، يمكن القضاء على شعب كامل دون المساس بالبنية التحتية. إنه سلاح نووي بتكنولوجيا جديدة، خاصة بعد أن أثبت طوفان الأقصى أن الصهاينة، ومن خلفهم الولايات المتحدة، لا يمتلكون أي رادع أخلاقي. الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وقتل الأطفال والنساء تُعتبر مسائل عادية في قواميسهم. كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى جزء من منظومة الإمبريالية، حيث يوجد تغلغل كبير للصهاينة وأجهزة الأمن داخلها.
ورغم أن هذه العملية الإرهابية، التي لم يشهد العالم لها مثيلاً، تخالف جميع قواعد الحروب والمواثيق الدولية، وتشكل جريمة حرب وخطراً على الجنس البشري، إلا أننا لم نسمع كلمة إدانة واحدة، ولا تعهدات بتقديم الإرهابيين إلى العدالة أو فرض أي عقوبات. ماذا لو كان هذا العمل قد قام به حزب الله؟ لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتم محو لبنان عن وجه الأرض. قبل أيام، قُتل ستة محتجزين صهاينة في أنفاق غزة، فأدان العالم بصوت عالٍ، مهدداً بأن حماس ستدفع الثمن.
تابعت وسائل الإعلام الغربية التي أثبتت أنها جزء من ماكينة الحرب الإمبريالية، تخدم مصالحها وتزيّف الرأي العام. كانت محابية تماماً للصهاينة، كما هي عادتها. فكتبت بي بي سي: «حزب الله يلقي باللوم على إسرائيل بعد انفجارات أجهزة النداء القاتلة»، بينما عنونت صحيفة الواشنطن بوست الخبر: «آلاف الجرحى في لبنان نتيجة انفجار أجهزة النداء التي يستخدمها حزب الله»، وبالمثل، كتبت قناة إن بي سي: «أجهزة النداء المتفجرة التي يستخدمها حزب الله تقتل 8 أشخاص على الأقل وتصيب أكثر من 2700 آخرين في لبنان».
يمكن قراءة هذه العملية من عدة زوايا. منها أن الكيان أرسل رسالة قوية إلى حزب الله، مفادها أنه يمتلك اليد الطولى في أي مواجهة قادمة، وأن إيران وحلفاءها جميعاً مخترقون من قبل الصهاينة. الأهم من ذلك، أن حزب الله وإيران قد فشلا في تقديم رد فعّال بعد اغتيال هنية وسكر. إيران لم ترد، وحزب الله اكتفى برد ضعيف، مما شجع الكيان على التجرؤ عليهما.
انتصر الصهاينة في معركة الردع، وأصبحوا هم من يدير دفتها. بات واضحاً أن إيران لن تصعّد، مهما تلقت من ضربات، قبل أن تمتلك قنبلتها النووية. أما حزب الله، فسيواصل دعم غزة، ولكن ليس بالقدر الذي يدفع لبنان إلى حرب إقليمية. بل يبدو أن هدفه الأساسي هو الضغط على الكيان للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ويعلم الكيان أن الغرب سيدعمه في أي معركة إقليمية كبرى، وأن دعمه سيكون مطلقاً حتى لو لم يكن هو من بدأ الحرب. هذه فرصته الآن لشن حرب شاملة، فحزب الله يعاني من فوضى شاملة، وآلاف من عناصره في المستشفيات. وإذا تأخر الكيان في ذلك، فهذا يعني أنه اكتفى مؤقتاً بما حققه.
أما حزب الله فلديه خياران لا ثالث لهما: الأول هو الاستمرار في سياسة ضبط النفس متأملا أن تنفجر الأوضاع الداخلية في الكيان، فتتوقف الحرب ويخرج منتصراً، مع تحمل الضربات المتصاعدة. الخيار الثاني هو فتح الجبهة على مصراعيها، وليكن ما يكون. ومهما حاول تجنب الحرب، فإنها تطرق بابه بقوة، وقد لا يكون قادراً على تفاديها.
وأجزم بأن مثل هذا الحدث لن يفلت من أجهزتنا الأمنية الذكية، التي ستبدأ باتخاذ التدابير المناسبة لفحص كل ما يدخل من أجهزة إلى الوطن.