تكنو، إديو أم آيزو؟!
مازال البعض يجتهد بالقول إن الوقت لم يحن بعد للحديث بصراحة لا حرج فيها، وشجاعة أدبية لا تعفي أحدا من النقد -البنّاء قطعا- عن حرب السابع من أكتوبر. أعني بذلك الحديث بموضوعية ذات ضوابط معيارية علمية، عن أداء أطرافها الرئيسية عسكريا وسياسيا وإعلاميا (خاصة في منصات التواصل الاجتماعي)، وعما قبلها وخلال نحو عام من يومياتها القاسية، فضلا عن تداعياتها الخطرة، كالجارية منذ أسبوع عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
«لكل مقام مقال»، لكن لا مندوحة عن التوقف عند بعض العلامات الفارقة كتلك التي صار الناس يتداولها في الإجابة عن سؤال يبدو وجوديا: أي من الطرفين أو العالمين يكسب الحرب؟ الإديولوجيا أم التكنولوجيا؟ في إشارة إلى ما سمي في التايم لاين العربي والأعجمي على اختلاف لغاته ولهجاته بموقعة «ذات البياجر»! أو غزوة «الووكي توكي»!
لست ممن يقرون السخرية من الآلام أو الكوارث، فالشماتة نقيصة وخطيئة وسقطة لا تبررها عداوة أو خصومة. لكن من المفيد للجميع -على اختلاف المواقف السياسية والإديولوجية- التوقف عند دلالات الواقع الحقيقي لا الافتراضي، وهي أن الصولة والجولة في هذا الزمان ما زالت لمن يمتلك أسباب القوة بأشكالها، وفي مقدمتها المعرفة، ومن ثم التقنية.
ما قيمة «التكنو» -كما كان يختصرها أبناء جيلي منذ صار عندما جامعة أردنية متخصصة في العلوم والتكنولوجيا- إن لم تكن المعرفة هي الأصل والفروع والثمار لتلك التقنية؟ أن يرزقنا الله معرفة الحق ويرزقنا اتباعه على هدى وبثبات الموقنين الراسخين أولى وأبقى من امتلاك نواصي الأتمتة والرقمنة والحوسبة كلها.
لو عرفنا أولا أنفسنا قبل أن نعرف الآخر -عدوا كان أم صديقا- لما وقعت أحداث كثيرة ولا حلّ بنا الكثير من النائبات والرزايا. النون هنا لا كما يسطرون في كتاتيب ودكاكين التعصب والتطرف والتحزب الهدّام، النون هنا هي لنا نحن كبشر مُستَخلَفين على هذه الأرض لغايات إعمارها بما يأمن فيه الناس على إيمانهم وأسرهم وأوطانهم وحقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم وأحلامهم. العنتريات واللطميات لا تغير شيئا من الواقع ولا حتى الافتراضي، ولو استخدمت جميع وسائل ما يعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي من أغاني وأناشيد حماسية.
«الحق أولى أن يتّبع». والحقيقة المجردة لا تنحاز لأحد، ولا لمن يحسنون الظن بأنفسهم إلى حد الخيلاء والكِبَر، والعياذ بالله. استدراكا وقطعا للطريق على أي إخراج للكلم عن موضعه، لست أعني بذلك لا حزب الله الإيراني في لبنان ولا في العراق ولا حماس، من أعنيهم هم كل من قاموا بليّ أعناق الحقائق والأرقام ظنا منهم ووهما أنهم ما يسمى «الرقم الصعب»! هذه مصطلحات سمعناها قبل عقود، ولا حاجة لتذكير أحد بخيباتها وآلامها كلما شن فصيل مواجهة أو تم استدراجه لشنها أو الاشتباك معها دون معرفة حقيقية ودون تقنية يمتلكها من ألفها إلى يائها، إنتاجا وتطويرا وتحديثا وصيانة وخطوط نقل وإنتاج وحتى الواسطة (السماسرة) والدعاية. ثمة من يقول أن الصنارة «غمزت» بتأثير «الجنس اللطيف» حتى ولو على مستوى مشاغلات عنكبوتية أو مناوشات بالنقر عن بعد!
الأهم من التكنو والإديو، هو الآيزو! امتلاك الميزة النوعية أولى وأهم من اللهاث خلف العلامة التجارية لأي تكنولوجيا بصرف النظر عن إديولوجيات الصياد والطريدة!