الرد الإيراني سيناريوهات
التهديد الوجودي ذريعة واهية: القوة الخارجة عن السيطرة التي تدفع الشرق الأوسط إلى حافة الهاوية هي» إسرائيل» نفسها- نسرين مالك، صحفية في الغارديان. خالفت إيران معظم توقعات المحللين – وأنا منهم – ووجهت ضربة صاروخية للكيان الصهيوني، مؤكدةً بذلك صحة تشبيه سياستها بـ»صانعي السجاد»، حيث تعتمد هذه السياسة على الصبر والدقة والبطء، تمامًا كما يفعل صانعو السجاد الإيراني. لهذا السبب، تتقن إيران اللعب في المناطق الرمادية ومعالجة الملفات المعقدة، وتتكيف مع المتغيرات ببطء للوصول إلى أهداف بعيدة المدى. ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من مفاوضاتها مع القوى العالمية حول برنامجها النووي؛ إذ وسعت برنامجها تدريجيًا، واستغلت عامل الوقت للصمود، وأظهرت مرونة في بعض الأحيان وتشددًا في أوقات أخرى حسب ما تقتضيه الظروف. وبرأيي، تمتلك إيران القنبلة النووية الآن.
بالأمس كانت غزة، ثم الضفة، واليوم لبنان، وغدًا إيران. لذلك، كان لا بد أن تتدخل إيران، فقامت بتوجيه ضربة وصفها نتن ياهو بالفاشلة، بينما اعتبرتها إيران ناجحة. لكن الحكم النهائي جاء من خلال تصريح الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال، هاجاري، الذي قال: «نتعرض لضربة قوية، ونحن بحاجة إلى التراجع وإعادة تقييم خياراتنا». إذًا، كانت الضربة قوية، وهذا ما أظهرته الصور، لكنها أيضًا كانت محسوبة، إذ إن إيران لا ترغب في الدخول في حرب إقليمية.
صرحت الولايات المتحدة أن هجوم إيران ستكون له عواقب وخيمة، فردت إيران : إذا حدث ذلك، فستستهدف المصالح الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة. وهكذا، وضع البلدان نفسيهما في مواجهة مباشرة.
أمام الولايات المتحدة عدة خيارات، من بينها التوصل إلى اتفاق على رد صهيوني مقبول من إيران، وقد يستمع نتن ياهو هذه المرة لبايدن وينهي الحرب ويروج لما قام به على أنه انتصار. هذا السيناريو الذي رفضه نتن ياهو بعد الضربة الإيرانية الاستعراضية في نيسان الماضي، عندما قال له بايدن: «خذ هذا الانتصار واسكت.» وإذا لم يستمع لبايدن هذه المرة، فقد تبدأ الولايات المتحدة بالابتعاد عنه، وتصفه بأنه خطر على الكيان نفسه وعقبة في طريق الحلول. حينها، قد يبدأ سيناريو الضغط عليه، لأن مصالح الولايات المتحدة في خطر.
وقد تستمع الولايات المتحدة إلى الأصوات الصهيونية في إدارتها، كما هو الحال عادةً، فتطلب منها التصدي المباشر لإيران عبر ضرب أهداف حيوية مثل مصافي النفط والمنشآت النووية، مبررين ذلك بأن الكيان الصهيوني يدافع عن الحضارة الغربية، وأثبت قدرته على إلحاق ضرر كبير بأعدائه. وهذه فرصة قد لا تتكرر لإنهاء جميع الملفات العالقة وضمان سيادته على المنطقة.
ولو افترضنا أن الولايات المتحدة تدخلت مباشرة أو عبر الكيان ووجهت ضربات موجعة لإيران، فسيكون لذلك انعكاسات كبيرة. أولاً، ليس من مصلحة الولايات المتحدة توجيه ضربات تؤدي إلى انهيار النظام الإيراني في سيناريو مشابه لحرب العراق عام 2003، إذ سيؤدي ذلك إلى فراغ كبير وفوضى في المنطقة قد لا يتمكن أحد من السيطرة عليها.
إضافة إلى ذلك، فإن إيران دولة كبيرة ذات طبيعة جغرافية وعرة، مما يجعل من الصعب إلحاق ضرر كبير بها. وإذا شعرت طهران بخطر وجودي، فلديها عدة أوراق خطيرة. إلى جانب استهداف القوات الأمريكية والكيان الصهيوني، قد تقوم بإغلاق مضيق هرمز، شريان حياة النفط، واستهداف السفن وآبار النفط، مما سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي. عندها، لا توجد ضمانات بعدم تدخل الصين وروسيا. وما أكد لي أن إيران لا تعمل بمعزل عنهما هو رفض بوتين استقبال مكالمة من نتن ياهو قبل أيام.
أما بالنسبة للصهاينة، فأعتقد أنهم أمام خيارين: الأول هو القيام بالعمليات التي يجيدونها، مثل اغتيال شخصيات وازنة أو تنفيذ عمليات سرية تلحق ضررًا كبيرًا بإيران، بالإضافة إلى الاستعانة بالولايات المتحدة لتشديد العقوبات الاقتصادية وحصار إيران.
أما الخيار الثاني فهو التصعيد الكبير. بعد الاستعراض الإيراني في نيسان الماضي، يدعي صحفيان كبيران مشهوران استنادًا إلى مصادر في البيت الأبيض: الأول هو الصحفي الأمريكي اليهودي سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر لكشفه مذبحة قرية ماي لاي خلال حرب فيتنام ومؤلف كتاب «خيار شمشون»، ويُعد من أهم الصحفيين الأمريكيين؛ والثاني هو الصحفي البرازيلي الأصل بيب إسكوبار، أحد أهم المحللين السياسيين في العالم والمختص بالشرق الأوسط. الاثنان يتمتعان باحترام ومصداقية، ويزعمان أن الكيان الصهيوني، بعد استهداف إيران في نيسان الماضي، أرسل طائرة F-35 محملة بقنبلة نووية بهدف التسبب في تفجير على ارتفاع شاهق فوق إيران، يؤدي إلى تعطيل خطوط الضغط العالي والأجهزة الإلكترونية ويقطع الكهرباء في إيران، فيما يُعرف بالهجوم النبضي الكهرومغناطيسي. لكن الدفاعات الروسية أسقطت الطائرة، وتم الاتفاق بين جميع الأطراف على إبقاء الأمر سرًا، تجنبًا لحرب عالمية ثالثة.
قد تكون القصة غير صحيحة، لكنها قد تفسر الرد الصهيوني الهزيل في ذلك الوقت على الهجوم الإيراني.
مما شهدناه حتى الآن من التصعيد والهمجية الصهيونية وضعف الإدارة الأمريكية، قد يبدو أننا نتجه نحو سيناريو تصعيدي، ما لم تتمكن الولايات المتحدة من التدخل للتهدئة وتجنب اندلاع حرب عالمية ثالثة.