ضاع في الترجمة!

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

اقتبست عنوان مقالتي هذه من فيلم أمريكي رومنسي كوميدي «لُسْتْ إن ترانسليشِن» عام ألفين وثلاثة وهو -بالصدفة- العام عينه الذي بدأت فيه فصلا جديدا أو لربما كتابا جديدا من حياتي المهنية والشخصية في بلاد العم سام.

بمحض الصدفة أيضا، تكرر استخدام الرئيس الأسبق جورج بوش الابن استخدام مصطلح «كروسيد» مرتين خلال عامين في خطابين رئيسيين في إشارة إلى الحرب العالمية وليس الأمريكية فقط ضد الإرهاب. وقع عدد من المترجمين بحسن أو سوء نية في خطأ ترجمة قاتل أو أقله ليس ببريء عندما تمت ترجمة «كروسيد» وتعني «حملة». حملة لا تعني فقط الحملات العسكرية ولا علاقة لها من قريب أو بعيد باستحضار «الحروب الصليبية». هي مجرد كلمة تعني في اللغة والثقافة الجهد المكرس المثابر الدؤوب. لذلك تستخدم تلك الكلمة مثلا في حملات التطعيم أو مكافحة الأمية أو السموم المسماة المخدرات. طبعا ثمة فارق بين حملة انتخابية وحملة عسكرية لكن المراد في هذا السياق هي مراعاة الأمانة العلمية والنزاهة المهنية والدقة الحرفية في ترجمة الكلمات والمصطلحات والمعاني.

الأمر غاية في الخطورة، عندما تؤدي كلمة عابرة أو عبارة أخرجت عن سياقها إلى أحداث عنف أو إرهاب أو بلبلة لها انعكاسات سياسية أو اقتصادية. في الأسابيع القليلة الماضية مثال على تعمد التزوير في الترجمة لغايات إحداث بلبلة مرتبطة كالعادة من السعي إلى التشويه والتشكيك والتشتيت. من الشجاعة الأدبية في حال الوقوع في خطأ غير مقصود للترجمة أو التعليق عليها، الأخذ بمقولة التراجع عن الخطأ أو الذنب فضيلة. لا أريد حتى الخوض في ذلك المثال الذي تداخلت أصداؤه مع أحداث جسام في الشرق الأوسط لكنه فرصة للتذكير بثلاث قضايا مهمة قد تكون أولوية من المستحسن التصدي لها في الصميم.

الأولى هي واجب التعرف على ثقافة الآخر ومن ضمن ذلك التعرف على ثقافيته إتقان وعاء الثقافة وأهم أدواته، اللغة. الثانية أهمية إيلاء الترجمة من وإلى اللغات التي تعنينا أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحضاريا. ترجمة غير حرفية تأخذ بالمعنى والسياق والدلالات. ترجمة تدرك الفوارق في اللهجات، وتراعي فهم لغات ولهجات الأجيال المختلفة. أما الثالثة، فهي أمانة الاقتباس. باللغة الدارجة كان الناس يستاء من تغول بعض من ظنوا احتكارهم وسائل الإعلام في زمن ولّى، يستاؤون من «المونتاج» و»الدوبلاج» وقد كان ثمة خلط مضحك بالنسبة للمختص. لكن الصحيح أن ما يجري في زمن الذكاء الاصطناعي و»الغوغل ترانسليشن» صار أصعب من مجرد ترجمة «كروسيد»! صار بحاجة إلى حملة لدقة الترجمة والنقل والتعليق! قد يكون الحل بتفعيل أدوات وضوا بط المساءلة كلما لوح البعض برايات حريات التعبير والتنظير والتأطير والتحشيد والتأليب والتحريض. الكلمة أمانة بأي لغة ولهجة كانت..

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences