قصف يحمل رسالة سياسية
إن تصل الطائرة الالكترونية المسيرة من لبنان إلى قيسارية على البحر المتوسط التي تبعد 70 كيلو متراً عن الحدود اللبنانية الفلسطينية، وأن تستهدف منزل نتنياهو الشخصي، فهذا تطور معنوي ورسالة في غاية الأهمية، حتى ولو لم تحقق إصابات، فالمعروف أن نتنياهو منذ توليه رئاسة الحكومة وهو يقيم في المنزل الرسمي لرئيس الوزراء في القدس الغربية، ولكن استهداف منزله الشخصي في قيسارية وإصابته، يدلل على معارف حزب الله، وقدرته على الوصول، وتوفر أدوات التقنية العسكرية لديه وصولاً نحو الهدف.
لقد فشلت أجهزة المستعمرة ودفاعاتها الجوية من «القبة الحديدية» و «مقلاع داود» في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد سبق تسجيل هذا الفشل حين تم قصف قاعدة بنيامين الإسرائيلية شمال فلسطين، مما دفع الولايات المتحدة لتقديم منظومة الدفاع الجوي المتطورة « Thaad « للقيام بمهمة حماية الاجواء الإسرائيلية بعد أن تعرضت منشآتها للتدمير والاصابات المباشرة، من قبل الصواريخ والمسيرات اللبنانية.
الولايات المتحدة تقدمت خطوات عملية نحو الشراكة مع قوات المستعمرة، ولم تكتف بتقديم المساعدات العسكرية والمالية والتكنولوجية، بل نقلت جزءاً من قواتها للمساهمة في حماية الأجواء الإسرائيلية، وباتت شريكاً مباشراً في المواجهة بين قوات المستعمرة، من جهة، وقوى المقاومة العربية بفصائلها المتعددة،من جهة اخرى.
الولايات المتحدة وإيران، كانتا حريصتان طوال العام الماضي على ضبط إيقاع المعارك حتى لا تتطور نحو حرب إقليمية، حيث لا مصلحة لهما في ذلك ، وأن يبقى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محدودة وهو الأساس والعنوان وله الأولوية، ولكن نتنياهو واصل تماديه، لتوسيع حلبة الصراع حتى لا يقتصر على المواجهة داخل فلسطين، ونجح في ذلك، وصولاً إلى هدفه المعلن أن الصراع إسرائيلي إيراني، بأدوات عربية تابعة: حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله، حركة أنصار الله، وفصائل الحشد الشعبي العراقي.
ما فجرته عملية 7 أكتوبر، لها تداعيات هامة، في نهوض التوجه القومي العربي وتعزيزه، وترابط مصالح العرب مع بعضهم البعض، في خندق واحد، خندق المواجهة ضد: العدو الوطني والقومي والديني والإنساني الواحد: المستعمرة الإسرائيلية.
قصف منزل نتنياهو في قيسارية، واستهدافه شخصياً، دلالة الإدراك والتوجه، رداً سياسياً ومعنوياً على اغتيال أبرز قيادات المقاومة: الشيخ حسن نصر الله، إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، وإن لم تتمكن القدرات اللبنانية والفلسطينية، من الوصول إلى أي من قيادات ومراكز صنع القرار الإسرائيلي، انعكاساً لموازين القوى، وفجوة القدرات بين الطرفين، لصالح المستعمرة عبر الدعم الأميركي الملموس، ومع ذلك يبقى صمود المقاومة بارزا، وهو يعتمد على حاضنته الشعبية أولاً، وعدالة القضية التي يعمل من أجلها ثانياً، ودوافعها النبيلة نحو العمل وصولاً إلى الكرامة والعودة والحرية لشعب فلسطين ثالثاً، وإن إمكانات المستعمرة مهما بدت متفوقة، ولكنها مهزوزة تقوم على الظلم والاحتلال والاستعمار، وسيكون مآلها الفشل والهزيمة كما حصل لكل تجارب التفوق الأميركي في الفيتنام، والسوفيتي في أفغانستان، والفرنسي في الجزائر، وهزيمة النظام العنصري في جنوب إفريقيا.
المستعمرة تحمل مواصفات وتفوق الذين تمت هزيمتهم، وشعب فلسطين بإمكاناته المتواضعة سيحقق الانتصار مهما بعدت المسافة، ومهما عظمت التضحيات، تلك هي خلاصة تجارب الشعوب التي انتصرت على محتليها.