من يسيطر على بياناتنا يسيطر على عقولنا

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

د. حمزه العكاليك

مقالة الاسبوع الماضي قدّمت تحليل ونظرة شاملة حول كيفية استغلال الخوارزميات وتحليل البيانات في التأثير على الرأي العام وبناء فقاعات معلوماتية. هذا الاستغلال يطرح تساؤلات جوهرية حول الجوانب القانونية والأخلاقية لهذا الأمر، ويدفعنا إلى البحث عن آليات لحماية المجتمعات من هذه الممارسات الضارة.

فغياب تشريعات واضحة التي تؤدي الى تخلف التشريعات عن مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، يخلق فراغًا قانونيًا يستغله البعض للتلاعب بالرأي العام. وهذا يقود الى صعوبة تحديد المسؤولية ففي كثير من الحالات، يكون من الصعب تحديد المسؤولية القانونية عن التلاعب بالرأي العام، خاصة عندما تكون هناك العديد من الجهات المتورطة. مما يخلق نوع من تضارب المصالح بين حماية حرية التعبير وحماية المجتمع من التلاعب بالمعلومات.

 

اما ما يتعلق بالجوانب الأخلاقية فانتهاك الخصوصية: يعتبر اهمها  فجمع وتحليل البيانات الشخصية دون موافقة الأفراد يمثل انتهاكًا صارخًا للخصوصية. والذي غالبا ما يستخدم للتضليل والتدليس من خلال نشر الأخبار الكاذبة والشائعات بهدف التأثير على الرأي العام يعد عملاً غير أخلاقي. ولا شك ان هذا يؤدي الى تعميق الانقسامات الاجتماعيه  فالتلاعب بالرأي العام يؤدي إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية وتقويض الثقة في المؤسسات.

وفي هذا الاطاراشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الى ان المعلومات المظلله الناتجة عن استخدام التكنولوجيات الحديثة تتربع على قمة التهديدات العالميه لعام 2024. فمع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، يمكننا توقع المزيد من التطور في مجال التلاعب بالرأي العام باستخدام البيانات ومن السيناريوهات المحتملة تزييف الفيديوهات والصورحيث  ستصبح تقنيات التزييف أكثر تطوراً، مما سيجعل من الصعب تمييز المحتوى الحقيقي عن المزيف، مما يعزز انتشار الأخبار الكاذبة. كما سيكون استهداف الأفراد بشكل أكثر دقة  فالخوارزميات ستصبح قادرة على استهداف الأفراد بشكل أكثر دقة بناءً على بياناتهم الشخصية وسلوكهم، مما يزيد من فعالية حملات التضليل والتلاعب.

واما استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مزيف مثل مقالات إخبارية ومقاطع فيديو، سيجعل من الصعب تتبع مصدر هذه المحتويات. كما من استخدام البيانات البيولوجية  لتحديد المشاعر والعواطف لدى الأفراد واستخدام هذه المعلومات للتلاعب بآرائهم.

وهذا يقود الى القاء نظره على تاثيرات هذه التغيرات على الجوانب الاجتماعية لاستخدام البيانات والتي ستؤدي الى تعميق الانقسامات الاجتماعية  فيمكن للبيانات أن تساهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية من خلال توفير محتوى مخصص لكل فرد يعزز آراءه ومعتقداته، مما يجعل من الصعب الوصول إلى توافق في الآراء. وهذا سيقود تآكل الثقة في المؤسسات فالتلاعب بالرأي العام سيؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية والإعلامية التي تعاني من ازمة ثقه بالاساس.

وهذه المخاطر ستخلق العديد من التحديات والمخاطر؛ فجمع وتحليل البيانات الشخصية يثير قضايا تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات الشخصية. كما تعتبر البيانات هدفًا جذابًا للهجمات السيبرانية، مما يهدد أمن المعلومات وسلامة الأنظمة. كما يمكن أن تؤدي الخوارزميات إلى إنشاء فقاعات معلوماتية، حيث لا يتعرض الأفراد إلا للمعلومات التي تؤكد آراءهم، مما يحد من قدرتهم على فهم وجهات نظر مختلفة.

اما فيما يتوجب على الحكومات القيام به فهناك العديد من الاجراءات التي يتوجب على السلطات المختصه القيام بها مثل  سن تشريعات واضحه.  فيجب على الحكومات سن تشريعات تحدد المسؤوليات وتضع قواعد واضحة لاستخدام البيانات، مع مراعاة التوازن بين حماية الخصوصية وحماية حرية التعبير ولا يكفي قانون حماية البيانات الشخصية بالنسخة الحالية في هذا المجال.

كما ان تعزيز الوعي الرقمي:من اهم الامور التي يتوجب العمل عليها  فيجب على الحكومات القيام بحملات توعية واسعة النطاق لتعليم المواطنين كيفية التعرف على الأخبار الكاذبة وتقييم المعلومات بشكل نقدي.

ومن الممكن سن تشريعات لفرض شفافية أكبر على الشركات التي يتوجب عليها أن تكون أكثر شفافية بشأن كيفية جمعها واستخدامها للبيانات. كما من المهم إعطاء المستخدمين المزيد من التحكم في بياناتهم فيجب أن يكون للمستخدمين الحق في الوصول إلى بياناتهم الشخصية وحذفها وتعديلها. كما نص على ذلك قانون حماية البيانات الشخصية وان كان ليس بالمستوى المأمامول.

ومن الاهمية بمكان تطوير أدوات للكشف عن الأخبار الكاذبة فتطوير أدوات تقنية تساعد في الكشف عن الأخبار الكاذبة والشائعات يؤدي الى تعزيز الحوار بين مختلف الأطراف  وتشجيع الحوار بين الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني والخبراء لتطوير حلول مستدامة.

إن استخدام البيانات في التلاعب بالرأي العام يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات الحديثة. يتطلب مواجهة هذا التحدي تعاونًا بين الحكومات والشركات والمواطنين لتطوير إطار قانوني وأخلاقي قوي يحكم استخدام البيانات، وتعزيز الوعي الرقمي لدى الأفراد، وتطوير أدوات وتقنيات للكشف عن التلاعب بالمعلومات.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences