الطبيب الإنسان: محمد المعايطة في لقاء الطب والإنسانية

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

في عالمٍ يختلط فيه العلم بالمشاعر، وتلتقي فيه المعرفة بالرحمة، يبرز الدكتور محمد المعايطة كنموذجٍ متكامل للطبيب الذي لا يكتفي بإتقان فن التشخيص والعلاج، بل يتجاوز ذلك ليجعل من مهنته رسالةً إنسانيةً تتجلى في كل تفاصيلها. إنه الطبيب الذي يرى في مرضاه أكثر من مجرد حالاتٍ سريرية، بل قصصًا تستحق الإنصات، ومعاناةً تحتاج إلى احتواء، وأرواحًا تبحث عن أملٍ قبل الدواء.

الطب بين العقل والقلب

ليس كل من ارتدى المعطف الأبيض طبيبًا، فهناك من يداوي الجسد، وهناك من يداوي الجسد والروح معًا. الدكتور محمد المعايطة ينتمي إلى الفئة الثانية، حيث يُدرك أن الشفاء لا يكون بالمشرط والدواء فقط، بل يمتد ليشمل الكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والاهتمام الصادق الذي ينعكس على المريض كما ينعكس الضوء على الماء، فيهدأ اضطرابه ويجد في الطبيب الإنسان ملاذًا وأمانًا.

الطب في رؤيته ليس مجرد علمٍ جامدٍ أو مهارةٍ تقنية، بل هو مزيجٌ من الفهم العميق للحالة الإنسانية، ووعيٌ بأن المرض ليس عارضًا جسديًا فحسب، بل حالةٌ نفسيةٌ واجتماعيةٌ تتطلب احتواءً لا يقل أهميةً عن الدواء.

الطبيب الذي يقرأ الإنسانية في عيون مرضاه

يروي كتاب “الطبيب الإنسان” للكاتبة سارة أبو مرجوب رحلتها في البحث عن طبيبٍ يفهم آلامها المزمنة التي طافت بها في أروقة المستشفيات دون جدوى. لسنواتٍ طويلة، كانت تبحث عن إجابةٍ لألمٍ استوطن رأسها وفكها، متنقلةً بين العيادات والتخصصات المختلفة، حتى وجدت في الدكتور محمد المعايطة الطبيب الذي لم يُشخّص حالتها فحسب، بل استوعب معاناتها وكأنها معاناته.

الكتاب ليس مجرد توثيقٍ لتجربةٍ شخصيةٍ مع المرض، بل هو شهادةٌ على أن الطبيب الحقيقي ليس فقط من يمتلك أدوات الطب، بل من يتقن لغة الإنسانية في تعامله مع مرضاه. وقد اشتهر الكتاب بجملته المؤثرة: “الإنسانية أقوى من الآلام.”

الطب.. حين يكون رسالةً أدبيةً وإنسانيةً

لم يكتفِ الدكتور محمد المعايطة بممارسة الطب كعلمٍ دقيق، بل جعله بابًا يفتح على الأدب والفكر. فهو كاتبٌ وروائي، يرى في اللغة امتدادًا لأدوات العلاج، وفي الكلمة وسيلةً للشفاء كما هو الحال مع العقاقير الطبية. يجمع بين الجراحة والتعبير، بين التشخيص والسرد، وبين مهارة المشرط وبراعة القلم، ليؤكد أن الطب والأدب والإنسانية قلوبٌ مختلفةٌ تنبض بنبضٍ واحد.

عندما يكون الطبيب إنسانًا قبل أن يكون معالجًا

ليس كل الأطباء على ذات القدر من الإنسانية، وليس كل المرضى يتلقون العلاج بنفس الشعور. ما يميز الطبيب النبيل هو قدرته على توصيل المعلومة الطبية دون أن يضيف جرحًا نفسيًا جديدًا لمرضاه. فبعض الأطباء قد يملكون المعرفة، لكنهم يفتقرون إلى اللمسة الإنسانية التي تجعل من اللقاء الطبي تجربةً مطمئنةً بدلًا من أن تكون مجرد فحصٍ روتيني.

يروي الكتاب محادثاتٍ دارت بين الكاتبة وطبيبها، حيث قال لها ذات يوم:

“حين يأتيك المريض، يكون قد فقد إحدى أعظم نعم الله – نعمة الصحة والعافية – ودور الطبيب ليس مجرد معالجة الأعراض، بل التخفيف عن المريض بكل السبل الممكنة. قد تكون المعاملة اللطيفة، والابتسامة، والاهتمام الصادق أكثر فاعليةً من الدواء في بعض الأحيان.”

هذا التصور العميق لدور الطبيب يتجاوز الفكرة التقليدية للمهنة، ليجعل منها رسالةً إنسانيةً تُمارس بالحب والإخلاص قبل أي شيء.

الإنسانية في مواجهة التجارة

الطب مهنةٌ سامية، لكنه في بعض الأحيان يتحول إلى تجارةٍ لا تُبالي بمشاعر المرضى، بل تسعى إلى تعظيم الأرباح بغض النظر عن جودة الرعاية. وهنا يُطرح السؤال:

لماذا يذكر بعض المرضى أطباءهم بكل حبٍ وامتنان، بينما يشعر آخرون بأنهم مجرد أرقامٍ في عياداتٍ مزدحمة؟

الإجابة تكمن في طريقة تعامل الطبيب مع مريضه. فهناك من يُمارس الطب كواجبٍ وظيفي، وهناك من يُمارسه كرسالة. وهناك من يقسم أن يكون واهبًا للحياة بلا مقابل، وهناك من يرى في المرض تجارةً يحصد بها الأموال دون اكتراثٍ للأرواح.

الطبيب الإنسان: حين يكون الشفاء فرحةً مشتركة

تصِف الكاتبة شعورها بعد رحلة العلاج الناجحة مع الدكتور محمد المعايطة قائلة:

“كان طبيبي يشعر بسعادةٍ خالصة وهو يراني أتماثل للشفاء، وكأن نجاح علاجي هو نجاحٌ شخصيٌ له. تلك النظرات التي تحمل الفخر والسعادة تُغني عن آلاف الكلمات، وحين يغمرها شكرٌ ممتنٌ ودموع عرفانٍ، يدرك الطبيب أن هذا هو الإنجاز الحقيقي، وأن الأثر الذي يتركه في حياة مرضاه هو ما سيبقى.”

في نهاية الكتاب، تصل الكاتبة إلى خلاصةٍ تمثل تجربةً عميقةً مع المرض والشفاء، فتقول:

“كل إنسان طبيب، ولكن ليس كل طبيبٍ إنسان.”

هذه الجملة تلخص الفرق بين الطب كعلمٍ والطب كرسالة، بين الطبيب كمعالجٍ والطبيب كإنسان، وبين من يؤدي عمله كوظيفةٍ ومن يراه امتدادًا لقلبه وضميره.

ختامًا: رسالةٌ لكل طبيبٍ يحمل همّ الإنسانية

يُخبرنا كتاب “الطبيب الإنسان” أن الطب ليس مجرد وصفةٍ دوائيةٍ أو عمليةٍ جراحية، بل هو التقاءٌ بين العلم والرحمة، بين العقل والقلب، بين المعرفة والإحساس.

إن كنت طبيبًا، فلتكن إنسانًا قبل كل شيء، لأن الإنسانية هي التي تجعل من مهنتك شرفًا، ومن لمستك شفاءً، ومن وجودك أملًا لمن يمرون بأقسى لحظات حياتهم.

وكما قالت الكاتبة في نهاية كتابها:

“الإنسانية أمّ الضمائر، فلا يمنحها إلا من يستحقها.. والطبيب الإنسان هو الذي يمنحها قبل أن يمنح الدواء.”

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences