من ليس مخترقا في طهران؟! !

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

«الكف السابق غالب».. أو كما قالت العرب، ولم يعمل بما قالوه العرب أو العجم

عندما استيقظت من نومي وجدت رسالة من صديق أرسلها قبل ساعتين، يسألني فيها إن كنت بالفعل أتابع الأخبار؟ لم يساورني شك، بأن ضربة إسرائيلية وجهت لإيران، وفتحت جهاز التلفزيون، فإذا بالعناوين تبدو عطفاً على ما قبلها، فلا تعمل القنوات التلفزيونية حساب من لم يتابعون الأحداث منذ وقوعها، والأحداث الجسام صارت تقع ليلاً حسب التوقيت المحلي للإقليم، لكن توقيت الإقليم ضبط نفسه على التوقيت الإقليمي، منذ المؤامرة على قطر تمهيداً لفرض الحصار عليها، وحتى قرار الجيش السوداني بعزل الرئيس عمر البشير، وإن كان القوم هناك وضعوا لافتة على الشاشة، وأذاعت الإذاعة خبرا، صار هو «عاجل» القنوات الإخبارية، ثم ذهبوا للنوم، ليعودوا بعد ساعات من انتظارنا لاستكمال المهمة!
ومنذ أن جاء ترامب للحكم، والإقليم يضبط ساعته على صباح الولايات المتحدة الأمريكية، فالصخب كله في هذا التوقيت، و»العواجل» في هذه الفترة، وقد كان «الشفت المسائي» بالقنوات الإخبارية هو اختيار لراحة البال، مع تأثيرات السهر على راحة الأبدان، ولم يعد الليل ستراً وغطاء وخلاله يتمرن المذيعون الجدد. وفي الحالة السودانية، كان بيان السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون فجرا ثم لا حس ولا خبر بعد ذلك، نظراً لنوم القادة العسكريين، ولم يتأكد المشاهد بأن أمراً جدياً قد حدث بالفعل، إلا بحضور محمد كريشان على الشاشة، وهو عادة لا يظهر في هذا التوقيت!
بعد قليل من متابعة الشاشة، اكتشفت أن ما توقعته حقيقة، وهو أن إسرائيل ضربت طهران، وشعرت بطبيعة الحال بالأسى، وتضاعفت الجرعة من الأسى أن تبدو لي طهران مكشوفة بهذا الشكل، إلى درجة استهداف قادة الجيش الكبار في غرف نومهم، واستهداف 6 من العلماء النوويين!
البداية باغتيال إسماعيل هنية:
عندما استهدفت إسرائيل ضيف طهران إسماعيل هنية بالشكل الذي حدث، قلنا مؤامرة، ووعدت إيران بالتحقيق، ولم نطلع على النتائج، والتي أكدتها الضربات الأخيرة، وهو هذا الاختراق الكبير لبلد مغلق، وفي حالة حرب منذ نجاح ثورة الخوميني في عزل الشاة، فإذا بالاختراق يذكرنا بحالة حزب الله، فهل كانت الجبهة السورية، وبالاً على إيران، ومن هناك تم التقاط العملاء للتجنيد، فوقع استهداف حزب الله على هذا النحو الفضيحة، كما تم اختراق طهران، فأين جهازها الاستخباراتي، أم أن الاختراق أكبر من الرصد؟!
إذا كانت طهران قد قامت بتحقيق حقيقي في اغتيال إسماعيل هنية، فلا بد أن تكون قد وضعت يدها على الاختراق، وكان دورها أن تتوصل إلى حجمه، فهل من تولى التحقيق لم يكن مخترقاً، فمن ليس مخترقاً الآن مع هذا الاستهداف للرؤوس الكبير؟!
إيران قالت إنها حصلت على وثائق تكشف إسرائيل، ولم تقل ما هي الوثائق؟ ولم ترد إسرائيل، لكن المياه تكذب الغطاس، والغطاس فوجئ بالضربة فبدا كما لو كان لا يعمل حسابه على ذلك، فماذا أفادته الوثائق؟ بل ماذا يفيد هذا الاختراق لو صح مع عدم توفر الإرادة السياسية على المبادرة، وعدم توقع أن إسرائيل جادة في معركتها، ولماذا لم تستفد طهران من دروس التاريخ، والحروب أولها كلام؟!
لقد كانت القيادة المصرية تتوقع الحرب في يونيو/ حزيران 1967، فلم يكن العدوان الإسرائيلي مفاجأة لها، ومن الحسنات القليلة للمشير محمد عبد الحكيم عامر أنه اقترح على عبد الناصر أن تبدأ مصر بالضربة الأولى، ومن الأخطاء الكارثية للزعيم أنه كان لا يريد أن يخسر الرأي العام العالمي والموقف الأمريكي بالذات، الذي انتصر له في العدوان الثلاثي في 1956. وقال باستيعاب الضربة الإسرائيلية ثم الرد، لتبدو مصر أمام العالم في موقف الدفاع، لكن الضربة الإسرائيلية كانت قاتلة، في لحظة كانت إذاعة «صوت العرب»، تعلن أن الجيش المصري على بعد خطوات من تل أبيب، وحملوا المذيع أحمد سعيد الوزر، مع أنه كان يقرأ البيانات المرسلة له من قيادة الجيش، فلم يكن على الجبهة لنقول إنه ضلل الناس!

إيران المترددة
وهذا هو ثمن التردد

التردد هزم إيران، والإيرانيون حملوا حزب الله على عدم خوض الحرب بشكل كبير، فظل الأداء في حدود المناوشات، لتفترسه إسرائيل بسبب هذا التردد، ولو خاضها بشكل جاد لأربك المشهد، وإن كان هذا ليس مؤكداً في ظل الاختراق الإسرائيلي الكبير للحزب، فهل كان الاختراق فعلاً في سوريا والأطراف كافة هناك كانت حريصة على بقاء بشار الأسد، إسرائيل وموسكو بجانب إيران وأذرعها في المنطقة، فلماذا لم يتم اختراق الحوثيين؟ لأنهم لم يكونوا في دمشق لحماية سلطات الأسد!
تذكرت أن لإيران إعلاما ناطقا بلغة الضاد؛ «العالم»، و»المنار»، و»الميادين»، لم أعثر على الأولى، وتذكرت أنني لم أشاهدها منذ زمن بعيد، والبعيد عن العين بعيد عن القلب، بيد أن «الميادين» و»المنار»، يبدو أنهما تبثان من خارج المجرة، فالكلام حماسي أكثر منه موضوعيا، والإعلام لا يوضع في الحسبان في زمن الحرب، إلا من خلال فرض الرقابة عليه، ليكون بوقاً كما كان أحمد سعيد في إذاعة «صوت العرب»، يحسن بيانات العسكريين بقوة أحباله الصوتية وحماسه الفطري!
تبدو القناتين كالإعلام الإيراني من خلال ما ينقل للشاشات باللغة العربية، والجميع كالنظام الإيراني يعيشون الذهول، فالجميع كان لا يتوقع شيئاً مما جرى، وعدم توقعه هو ما دفع المحلل العسكري المصري الجنرال سمير فرج إلى الوقوع في شر أعماله في مقابلة مع أحمد موسى في قناة «صدى البلد»!
لا أعرف تاريخ هذه المقابلة، التي قام البعض بالترويج لها مع بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، والرجل في حالة تورم ذاتي وهو يتحدث في البراح، فلا يمكن توجيه ضربات على طهران إلا بعد حصول الولايات المتحدة الأمريكية على الضوء الأخضر من مصر. وذلك في معرض حديثه عن مكانة مصر الكبيرة في الإقليم.
الرجل لم يكن يتوقع ما جرى، ومن هنا تكلم بأريحية في الهواء الطلق وذهب بخياله بعيداً، لكنه ذكرنا بحديث تلفزيوني سابق لمذيع المرحلة يوسف الحسيني عندما جزم بانهيار الدولار قبل ثلاث سنوات، فإذا بسعره يرتفع إلى أرقام فلكية، وكما استند الحسيني في توقعه إلى كونه كان طالباً شاطراً في الاقتصاد في الجامعة وأنه حصل على امتياز في امتحان المادة، فإن سمير فرج يعتمد على كونه صاحب خلفية عسكرية عظيمة وترقى لرتبة الجنرال، لكنه دائماً ما يضع نفسه في مأزق التوقعات المرئية!

المأزق المصري أيضا

وهو المأزق نفسه، الذي وقعت فيه السلطة في مصر، لأنها أيضاً لم تكن تتوقع ضربة كهذه، وناورت بالتقارب مع طهران مؤخراً، وألغت طهران العقبة، أو ما وصفه مبارك بالعقبة في طريق العلاقات بين البلدين، بوجود شارع يحمل اسم قاتل السادات «خالد الإسلامبولي»، فقامت بتغير اسمه قبل يوم من تعرضها للاعتداءات!
لم يكن مبارك جاداً وهو يتحدث عن هذه العقبة الكؤود، فقد كان يعرف أن هناك فيتو أمريكي على إقامة علاقات طبيعية بين مصر وطهران، ومن هنا لم تسايره طهران بالإلغاء المجاني لاسم الشارع، لكنها فعلت الآن، عندما بدا للجميع أن قادة البلدين كالغريق يتعلق بقشة، ولم تكن القاهرة تتوقع هذه الضربة السريعة، قبل أن يبلغ الهدي محله، وقبل أن تحقق المناورة المراد منها، فأزمة حقيقية لو كانت القاهرة تتصور فعلاً بإمكانها التقارب مع إيران، وأن يمر هذا مرور الكرام، وحتى وإن بدأت واشنطن مفاوضات مباشرة معها!
إن طهران تدفع ثمن ترددها، هذا التردد الذي فرضته على حزب الله، وتدفع ثمن انحيازها لنظام بشار الأسد، هذه الحماية التي مكنت إسرائيل من اختراقها واختراق حزب الله
ولست سعيداً بما حدث، فلو لم يكن هناك رد على مستوى العدوان، فستكون هذه بداية توهج المشروع الإسرائيلي وعلوه!
إنها قاصمة الظهر!

 سليم عزوز

صحافي من مصر

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences