هل يمتلك نتنياهو قرار وقف إطلاق النار ..؟؟
أ.د رشيد عبّاس
وقف إطلاق النار هي حالة مؤقتة من وقف الحرب أوالصراع المسلح، حيث يتفق الطرفان المسلحان علىوقف الأفعال العدوانية ووقف جميع النشاطاتالعسكرية لمدة معيَّنة في منطقة معيَّنة من جانبالطرفين, حيث يتفق كل طرف مع الطرف الآخر علىتعليق الأعمال العدوانية، بوساطة طرف ثالث أو ربماأكثر, وتجدر الاشارة أن هناك فرق بين الهدنة ووقفإطلاق النار, حيث يقتصر وقف إطلاق النار علىوقف الأعمال القتالية مؤقتا في نطاق جغرافيمحدد، بينما تعقد الهدنة وجوبا باتفاق أطرافالصراع أو من يمثلها، وتشمل جميع الرقعةالجغرافية المعنية بالقتال، ويختلف مفهوم اتفاقالهدنة عن اتفاق وقف إطلاق النار في كون مدةالهدنة أقصر من وقف إطلاق النار، وللهدنة هدفإنساني بالدرجة الأولى, كإدخال المساعداتوالإغاثة، بينما يهدف وقف إطلاق النار إلى تحقيقأهداف استراتيجية من قبيل إعادة ترتيب القواتوتجميعها، وتقييم قدرات الخصم، أو إعطاء الفرصةللسياسيين للتفاوض.
في الحرب العالمية الأولى كان هناك وقف إطلاق نارغير رسمي بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا مناجل الاحتفال بالكريسماس, لم تكن هناك معاهدةلتوقيعها وتم استكمال الحرب بعدها بأيام, وفيالحرب الكورية تم إعلان وقف إطلاق النار من أجلوقف الصراع وإنشاء منطقة منزوعة السلاح, ولم يتمتوقيع اتفاقية من أجل ذلك، وتم ترك الكوريينالشماليون والجنوبيون في حالة حرب, أما فيالحرب العراقية الإيرانية فقد وافق البلدان على وقفإطلاق النار لتبدأ بعدها المفاوضات المباشرة بينالعراق وإيران.
وفي جانب الهدن نجد أن هدنة عام 1949م هيمجموعة من اتفاقات الهدنة الموقعة بين إسرائيلوالدول المجاورة لها وهي مصر ولبنان والأردنوسورية لوضع حد رسميًّا للأعمال العدائية الرسميةللحرب العربية - الإسرائيلية 1948م، وتحديد خطوطالهدنة بين القوات الإسرائيلية والقواتالأردنية-العراقية، المعروفة أيضا باسم الخطالأخضر, وعلى مدى تاريخ الصراع بين إسرائيلوحركة حماس، لم تشهد الحروب هدناً أو وقفاً لإطلاقالنار إلا بعد احتدام القتال.
وفي عام 2008م، أدت هدنة إلى وقف إطلاق الناربعد هجوم إسرائيلي على قطاع غزة، كانت مدتها 6 أشهر بوساطة مصرية، ودخلت حيز التنفيذ يوم 19 يوليو, وتضمنت الهدنة حينها وقف إطلاق النارالمتبادل، وتخفيف الحصار العسكري والاقتصاديعلى غزة بما فيها فتح جميع المعابر الحدودية, إلا أنهذه الهدنة انهارت سريعاً في الشهر التالي، بعدماشنّت إسرائيل هجوما برياً موسعاً على القطاعالساحلي.
والسؤال هو لماذا نجحت بعض اتفاقات وقف إطلاقالنار والهدن بين المُتنازعين في بعض المناطق فيهذا العالم, بينما فشلت جهود وقف إطلاق النار بينالمُتنازعين في مناطق أخرى من هذا العالم, معتأكيدنا أنه لا يوجد سبب أو تفسير واحد يمكنتعميمه على هذه الحالات بسبب اختلاف الظروفالسياسية وأسباب الصراع المسلح، وتوازن القوىبين القوات الحكومية والتنظيمات المسلحة.
يمكن الإشارة هنا لنجاح أو فشل وقف إطلاق الناروالهدن إلى مجموعة من العوامل لعل أبرزها :
ضعف أو انعدام الثقة المتبادلة بين الأطرافالمتقاتلة، واعتقاد كل منها بسوء نيات الطرف الآخروأنه لن يلتزم بالتعهدات المترتبة على وقف إطلاقالنار، أو أنه سوف ينتهز أول فرصة لانتهاكها. ومنثم، تتردد الاتهامات المتبادلة بين الأطراف بانتهاكوقف إطلاق النار.
ثم اعتقاد أحد أطراف الصراع بإمكانية الحسمالعسكري وأن لديه فرصة لهزيمة الخصم أوالخصوم في ميدان المعركة, ففي هذه الحال، لا تكونلدى قادة هذا الطرف الرغبة في وقف إطلاق النار،لأن ذلك في تصوره سوف يحرمه من إمكانية تحقيقفوز عسكري حاسم، وفرض شروطه كاملة علىالطرف المهزوم, وفي هذه الحال أيضاً، يكون القبولالعلني بجهود الوساطة هو من قبيل المُناورةالسياسية لالتقاط الأنفاس وإعادة تزويد مخازنهبالسلاح والذخيرة.
كذلك تعدد أطراف القتال وتنوع أهدافها وعدمخضوعها جميعاً لقيادة واحدة، ففي بعض الحالاتتكثر المليشيات العسكرية والتنظيمات والطوائف،والمجموعات المناطقية، والتي تحمل السلاح دفاعاً عنمصالح فئوية أو جهوية.
إضافة إلى دور القوى الخارجية التي لا يكون فيمصلحتها وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، فتتدخلفي الصراع، أحياناً بشكل مباشر في صورة أفرادوخبراء ومدربين، وفي أغلب الأحيان في صورة تزويدحلفائها المحليين بالمال والسلاح والذخائر، وتشجعهمعلى عدم الانخراط في وساطات وقف إطلاق النار،أو عدم احترامها, وهو ما يعطي لهذه الحالات صفة(الحرب بالوكالة)، فتصير الحروب الأهلية هي ساحةالصراع والمنافسة بين القوى الإقليمية والدولية،ويكون من الصعب احترام اتفاقيات وقف إطلاقالنار من دون موافقة الدولة أو الدول الراعية لأطرافالقتال.
وأخيراً حجم الوزن المادي والمعنوي للدول التي تقومبالوساطة، فكلما امتلكت تلك الدول ما يكفي منأوراق الضغط والتأثير في سلوك أطراف الحربوالتي تشمل مزيجاً من (العصا والجزرة)، تزدادفرصة تأثيرها وتسهل إمكانية نجاح وساطتها, ومعذلك، فإنه لا ينبغي قبول هذا الرأي على إطلاقه.
أن تتعدد أسباب عدم نجاح اتفاقيات وقف إطلاقالنار والهدن مع التنظيمات المسلحة، يختلف دورهاووزنها من حالة لأخرى، ولكنها ترتبط جميعاً بجوهررئيسي وهو درجة هشاشة الدولة وحجم الانقساماتالاجتماعية، وشعور بعضها بالإقصاء والتهميشوعدم العدالة, ويترتب على ذلك تصدُع كيان الدولةوتحلل مؤسساتها السياسية والأمنية، فإن نشوبالقتال بين الأطراف المتنازعة هو دليل على فشلعملية (بناء الدولة), ويأتي إخفاق محاولات الوساطةلوقف إطلاق النار بينها تأكيداً إضافياً لهذا الفشل.
وعودة إلى سؤالنا المطروح: هل يمتلك نتنياهو قراروقف إطلاق النار؟
الإجابة على هذا التساؤل يقتضي الوقوف علىمسألتين, المسألة الاولى البرنامج الذري الإيراني, والمسألة الثانية دعم أمريكا لإسرائيل, ففي المسألةالأولى نجد أن إيران تسير باتجاهين متكاملين, الاول يدور حول تسريع تخصيب اليورانيوم ورفعنسبه في المعامل, لإنتاج القنبلة الذرية, والثاني يدورحول دعم ما يسمى بساحات المقاومة حول جغرافيادولة إسرائيل, أما في جانب المسألة الثانية والمتعلقةبدعم أمريكا لإسرائيل, نجد أن امريكا والغربسنقسم إلى قسمين من حيث وقف تزويد إسرائيلبالسلاح بعد وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
نتنياهو يدرك تماماً أن قرار وقف إطلاق النارسيكون أمام: امتلاك إيران للسلاح الذري, وتوقفالغرب في تزويد إسرائيل بالسلاح تماماً, وهذا يعنيبالنسبة له سقوط كبير في فخ الساسة الامريكانلعمل توازنات استراتيجية في منطقة الشرقالاوسط, وبالتالي قبوله مكرها بما يسمى بــ(حلالدولتين) أو إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية, وسيكون عندها أمام النظرية الأمريكية والتي تنصعلى: الدعم المنتهي بقبول الواقع.