مكافحات سرطان الثدي
في الأسطورة اليونانية المثيرة أن الأمازونيات شعبٌ يتكون من النساء فقط. نساء شديدات البأس، مقاتلات عنيدات جبارات، وهنّ أوّل من سخّر الحصان في ميادين المعارك. والمهم من كلِّ هذا، أن الواحدة منهن، وقبل أن تصبح مقاتلة رسمية، كانت تستأصل ثديها؛ كي لا يعيق استخدامها للرماية بالقوس، أو الطعن بالسيف والرمح.
مع شجاعة الأمازونيات الجديدات، طالعت قبل فترة لقاء صحفياً لسيدات انتصرن على سرطان الثدي بعد معارك ضارية معه. فأخذني عنفوانهن نحو الشعور العالي بقوة الحياة ومعانيها، وتساميت مع بوح منحنا جرعة مشبعة من الأمل والإقدام، وآمنت أن كل ناجية من المرض ما هي إلا قصة تستحق الرواية بماء البقاء.
لكني في اللقاء، لم أدقق عند ما حدث مع أمازونية تقول إنها وقفت 16عاماً مع زوج عقيم، لم يجعلها أماً، ولكنه كان أول ساخر من تهاطل شعرها على الوسادة مع بدء العلاج الكيماوي، وأول نافر من صفرة بشرتها، بل تمتم وهو يغادر حياتها: ها أنت أصبحت رجلاً أصلع. وتضيف هذا السيدة المكلومة، إنه وبعد سنتين، سمعت بموته بسرطان الثدي في غربته. اللهم لا شماتة. رحمه الله.
هذه من شواذ الحالات. فالسائد أن غالبية الرجال يرابطون على خط الدفاع الأول مع زوجاتهم المريضات. ثم من قال، إن الرجل بمنأى عن سرطان الثدي، صحيح أن نسبة الإصابة لا تتجاوز الواحد بالألف، ولكنها قد تحدث. وهي واحد إلى ثمانية عند المرأة، ولكنه قد لا يحدث.
قبل حملات التوعوية الزهرية لمؤسسة الحسين للسرطان لتشجيع الفحص المبكر عن سرطان الثدي كان الوضع مأساويا. فمعظم الحالات كانت تخضع للعلاج بعد دخولها مراحل متقدمة من الاستفحال. فكثيرات كن يخجلهن من الإعلان عن المرض أو التوجه للفحص؛ لأنهن ينظرن إلى أن هذا يثلم أو يخدش أنوثتهن، ويطفئ أمومتهن.
المرض ليس نهاية مطاف، لا للمصابة ولا لشريكها، أو عائلتها أو صديقاتها وزميلاتها. بل لربما يغدو بوابة مهمة للحياة وإعادة اكتشاف جمالياتها ومفاصلها. وحتى استئصال الثدي لم يعد عائقا لعيش طبيعي مع التقدم المتسارع بعمليات الترميم والإنبات والجراحة التجميلة للصدر.
نعلم أن الثدي كان رمزا للأمومة والخصوبة في حضارات كثيرة. لكن الأصل في الأشياء هو المرأة التي تحمل في صدرها قلبا شجاعا يجعلها قادرة على إطلاق سهامها على كل تخاذل يسعى نحو كل حق وخير وجمال في الحياة.
لدينا اليوم أمازونيات رائعات. وهن كما كن شجاعات في سلمية الحياة، يسابقن حصان الزمن ويطاردن طموح الأبناء، هن اليوم أيضاً القادرات على مقارعة هذا الطارئ بالانتصار عليه.