البحيرة الذرية (تشاجان) تتحدى التجارب النووية السوفييتية بـ (فراشة) ..!!
الشريط الإخباري :
--------------------------------------------البحيرة الذرية (تشاجان) قرب مدينة (سيمي) في كازاخستان تتحدى التجارب النووية السوفييتية بـ (فراشة). والطفلة الكازخية (آيزيده) تطيح بعلماء وجنرالات التجارب النووية أرضاً
كازاخستان / سيمي / بقلم المستشار محمد الملكاوي
•تساؤلات برسم الإجابة
-هل كان يُدرك الاتحاد السوفييتي السابق بأنه سيأتي يوم تهزم فيه (فراشة) واهنة قرب بحيرة (تشاجان) المجاورة لمدينة سيمي الكازاخية جبروت تجاربه النووية التي فرضها على دولة وشعب وإنسانية كازاخستان!!!؟؟؟
-وكيف استطاعت طفلة كازاخية بريئة لم تتجاوز السبع سنوات من عمرها أن تطيح أرضاً بعلماء وجنرالات التجارب النووية السوفييت الذين سيطروا على وطنها بالسلاح النووي والقوّة المسلّحة وقسوة قلوبهم.
-وهل كان مؤسسو ومنظّرو وأتباع الشيوعية يتوقعوا أن يسقط السوفييت بأيدي أحد قادة الاتحاد السوفييتي (غورباتشوف عام 1991) ويتفكك تحالف الاتحاد السوفييتي العسكري والسياسي وتسترجع الدول التي كان يهيمن عليها حريتها واستقلالها رغماً عنهم!!!؟؟؟ وتعيد بناء نفسها من جديد.
-وهل دار في مخيلة قادة الاتحاد السوفييتي السياسيين والجنرالات العسكريين السابقين بأن ترساناتهم النووية ومواقع إجراء التجارب النووية التي كانت تشكّل مصدر رُعب في العالم الغربي والولايات المتحدة ستتلاشى وسيتم تفكيكها بشكل آمنٍ والتخلص منها رغم عنهم بدءاً من كازاخستان!!!؟؟؟
•المقدمة:
بحيرة تشاجان (أو تشاغان أو بحيرة بالابان) هي واحدة من أماكن التجارب النووية السوفييتية التي فُرضت على شعب الكازاخ رغماً عنهم، وهي شاهد على مرحلة الظلمة والظلام والقهر الذي مارسه الاتحاد السوفييتي على الدول التي ضمّها إليه بالقوّة ليواجه الولايات المتحدة التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وبحيرة تشاجان نشأت جرّاء تجربة تشاجان النووية السوفييتية مطلع عام 1965 وذلك بهدف إنشاء خزان مياه اصطناعي، حيث تم وضع شحنة نووية يقدر وزنها بـ (140) كيلو طنٍ في ثقب بأعماق الأرض عمقه (178) متراً في قاع نهر تشاجان الجاف، وتسبب الإنفجار في حفرة عرضها حوالي (400) متر وعمقها حوالي (100) متر. فيما تسبب الانفجار في رفع ما يقارب (10.3) مليون طن من التراب في الهواء على ارتفاع حوالي كيلو متر طولي، في دائرة نصف قطرها عدة عشرات من الكيلومترات، وأنشأ الانفجار فوهة بركانية على عمق (100) متر بقطر (430) متراً في موقع الانفجار.
•كازاخستان مَوطِن الصمود العالمي
لقد صمدت جمهورية كازاخستان وشعبها الذي يربو اليوم على (19) مليون نسمة هذه الأيام على فضائع ما يزيد على (650) تجربة نووية أجراها علماء وجنرالات الاتحاد السوفييتي السابق لأن فيهم جينات عظيمة ورثوها من عملاقتهم في أرض كازاخستان أمثال الفيلسوف محمد بن طرخان (الفارابي) الذي يعتبر المعلم الثاني بعد الفيلسوف الإغريقي أرسطو طاليس تلميذ أفلاطون ومعلم الأسكندر الأكبر، وكذلك أمثال القائد الظاهر بيبرس (سلطان مصر والشام) الذي هزم جحافل المغول في معركة عين جالوت (1260 م) على مقربة من الأردن، وأيضاً العالِم اللُغوي اسماعيل الجوهري، وهو ثاني شخص حاول الطيران بعد عباس بن فرناس.
•الطفلة أيزدة والفراشة كوبيليك
ولكن الطفلة (آيزده) من العاصمة الكازاخية نور سلطان التي تكاد تصل سنوات عمرها إلى (7) سنوات وتتحدث الإنجليزية بلغة جريئة وواثقة ذكرتني بتلك الفراشة الكازاخية التي تقطن جوار البحيرة الذرية (تشاجان) قرب مدينة (سيمي) وتعانق كل زهرة في طريقها، للتأكيد على أن شعب كازاخستان وكافة الأحياء البرية فيه صامدة في وجه آثار وامتدادات التجارب النووية السوفييتية التي فُرضت بعنوة قوّة السلاح على كازاخستان خلال الحرب فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وأورثت هذه الدولة (كازاخستان) ما يزيد على مليون ونصف المليون ضحية بين موتٍ ومرض وتشوه وألم جسدي ونفسي.
•كازخستان والفنان الزعيم عادل إمام
ولأنني كإعلامي يدرك قيمة الإعلام الصادق والأمين والنزيه في زمن العولمة المنفتحة (أو في زمن العولوة على رأي الفنان المصري الزعيم عادل إمام في فيلم الواد محروس بتاع الوزير)، فقد أحببت أن أقتبس تحدي شعب كازاخستان لأضرار التجارب النووية السوفييتية من الطفلة آيزده والفراشة (كوبيليك) باللغة الكازاخية، لأنه رغم وهن وضعف كلّ منهما إلا أن لديهما قوةً وتحدياً يفوق كل أخطار التجارب والأسلحة النووية، ولعل هيروشيما وناغازاكي اللتين دفعتا ثمناً غالياً في الحرب العالمية الثانية على أيدي الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية، هما خير مثال على أن الحياة والأمل الكازاخي يخرجان من بين أيدي الموت والرماد والألم.
•المصوّر البلجيكي نيك وأنفاس رئة بحيرة تشاجان
وقد أذهلني المصور البلجيكي نيك هانيز (Nick Hannes) الذي رافقنا في جولة الصحفيين والإعلاميين الدوليين للاطلاع على آثار التجارب النووية في كازاخستان لدرجة أني حسبته للوهلة الأولى بأنه سيقفز في البحيرة ليلتقط صوراً للأسماك والحياة البحرية والبرية في أعماقها، لكنه بعين المصوّر الصياد اختار أن يوثق بعدسته من على تلٍ صغير جار لـ (تشاجان) كيف أن هذه البحيرة التي صمدت أمام التجارب النووية لا تزال تتنفس حياة وحرية وأملاً بمستقبل مشرق رغماً عن كل مخاطر اليورانيوم والإشعاعات والتشوهات وأمراض السرطان، لأن في هذه البحيرة الشامخة بعضاً من جينات النسور الذهبية الكازاخية التي يصل صوت صفيرها إلى أعماق البحيرة وذلك لإيقاظ كل الأحياء البحرية فيها، حتى تتنفس وتتحرّك وتضرب الماء الراكد بعنفوان زعانفها وأيديها وأرجلها وأطرافها وأطاريفها.
•أسماك تتنفس الحياة قبل الأكسجين
وقد اندمجتُ أيضاً مع بعض العصافير التي كانت تسابق النسائم بحثاً عن طعام هنا أو هناك على أكتاف تلك البحيرة التي كانت ضحية التجارب النووية السوفييتية، ولم أستيقظ من سرحاني وتوهاني حينذاك في تلك الأرض الخالية من البشر تقريباً إلا حالما فاجئني الإعلامي الصديق الدكتور عبدالرحيم عبدالواحد مدير مدير مركز هب (Media Hub) في دبي بقوله: إن وجود صيادي أسماك على شواطي تلك البحيرة يعني بأن الأسماك تزور الشاطئ، أي أنها لم تصمد في وجه كل التجارب النووية فقط لا بل إنها تحارب لأجل أجيال قادمة من الأسماك التي تتنفس الحياة قبل الأكسجين من مياة أعماق البحيرة الصابرة الصامدة.
بحيرة تشاجان والبحر الميت
وحينذاك لا أدري لماذا شعرت بالتوأمة بين البحر الميت في الأردن وبحيرة تشاجان في كازاخستان. فهل السبب يا ترى إن كليهما يصارعان الموت؟؟؟ أم أنه لا فرق بين مَن يحتل المسجد الأقصى وفلسطين ويمتلك المفاعلات النووية والصواريخ ذات الرؤوس النوية وبين من كان يحتل كازاخستان سابقاً واستباح عذرية أرضها البريئة بإجراء التجارب النووية رغماً عنها، في سباق تسلّح يهدف فقط إلى قيادة العالم حتى لو كان ذلك على حِساب تدميره.
لهذا فإن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين البحر الميت (كناية عن الأردن) وبحيرة تشاغان (كناية عن كازاخستان) تستدعي من الأردن وكازاخستان أن يعملا على توثيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية لترقى إلى مستوى العلاقات السياسية المتقدمة بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأول نور سلطان نزارييف والرئيس الحالي قاسم – جومارت توكاييف.
•للأمانة والتاريخ بالأسود والأبيض
ولكن للأمانة والتاريخ فإن السوفييت كانوا فخورين بإنشاء بحيرة (تشاجان) وصنعوا لها فيلماً عن إنجازات البرنامج النووي السلمي السوفياتي، وسبح بعض المسؤولين السوفييت في مياه هذه البحيرة للتأكيد على سلامتها وفي مقدمتهم وزير الهندسة حينذاك، ولكن بسبب الغبار الإشعاعي المتسارع تم إصابة جميع العمال الذين عملوا في المشروع والذين يقدر عددهم بحوالي (300) عامل بإصابات مزمنة بسبب تلقيهم جرعات عالية من الإشعاعات.
وفي أواخر عقد الستينات من القرن الماضي تم بناء محطة بيولوجية قرب البحيرة والتي أطلقت أكثر من (30) نوعاً من الأسماك، وأكثر من (20) نوعاً من الرخويات، و (150) نوعاً من النباتات في البحيرة، ولم يصمد منها سوى (10%) في حين مات ال (90%) لأسباب مختلفة. وقد تحوّرت بعض الأسماك وانتقلت جينات الطفرات إلى الأجيال التالية وصمدت متحدية الإشعاعات والظروف الجديدة عليها.
•وخِتاماً:
يحق لجمهوية كازاخستان التي تحتفل هذا العام بالذكرى الثلاثين لاستقلالها، كما يحق لها أن تفخر أيضاً بأنها تخلت بمحض إرادتها عن رابع أكبر ترسانة نووية في العالم وإغلاق كل مناطق التجارب النووية إيماناً منها بأن التجارب والأسلحة النووية هي أكبر خطر يُهدد البشرية اليوم، فما بالكم غداً إذا تمكنت جماعات إرهابية من البدء تدريجياً بامتلاك السلاح النووي. وأرى بأن هذه المناسبات هي فرصة للأردن لتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والزراعي والسياحي والثقافي والاجتماعي بين البلدين من جهة، وأن تبدأ الدول العربية كذلك بتوسيع آفاق التعاون مع جمهورية كازاخستان التي فضّلت السلام والأمن على الحرب، بعد أن وافقت طواعية على التخلي عن رابع أكبر ترسانة نووية في العالم.
•الحلقة القادمة
في الحلقة القادمة (الثالثة) بإذن الله سأريكم بالكلمة والصورة والفيديو قصصاً مؤلمة لضحايا التجارب النووية من الأجنّة في أرحام الأمهات والأطفال المشوهين بشكل خاص والبشر بشكل عام الذين دفعوا الثمن من حياتهم وعمرهم وصحتهم لإرضاء غرور القادة العسكريين والعلماء السوفييت الذين كانوا يضحوا بحياة الأبرياء في كازاخستان للإثبات للقادة العسكريين والعلماء الأمريكان بأنهم على قدر التحدي. وأن ما حدى في هيروشيما وناغازاكي في اليابان لن يُرعب السوفييت الذين يقفون على أهبة الاستعداد لأي اعتداء نووي أمريكي.