الأردن : «اترك سلاحك واحتفل» مقابل «لا تقتلني بفرحك» ..
الشريط الإخباري :
عمان – «القدس العربي»: اللهجة الحادة التي ظهرت مؤخراً في بيانات رسمية أردنية تتوعد "مطلقي عيارات نارية” لأغراض الاحتفال لن تقف بالتأكيد عند حدود "التكييف القانوني” المستجد في حال القبض على مطلق الرصاص بعد التسبب بإصابة أو وفاة، وقد تتعدى بصورة دراماتيكية إلى ما أشارت إليه "القدس العربي” في تقرير سابق لها من "سياق تشريعي” هذه المرة سبق للسلطتين التنفيذية والتشريعية أن تهربتا منه.
بعد حادثة عريس معان الشاب الذي قتل برصاصة "صديق” خلال احتفال حمام العريس، التهبت مفاصل التعبير الاجتماعي المحلي كما لم يحصل من قبل. ولأول مرة تماماً، يبدو الرأي العام بعيداً عن التحفظ وهو يراقب خشونة وتوعد الأجهزة الأمنية، بل أقرب إلى "تفهم” أي إجراءات ستتخذ لاحقاً، لا بل المطالبة بها أيضاً.
دخل مشرع خبير من وزن الدكتور نوفان العجارمة، الخبير الدستوري، على خط النقاش معترضاً ضمناً على النصوص التي يحاكم بموجبها من يطلق الرصاص فرحاً فيؤذي الأرواح على أساس "القتل القصد” أو الشروع بالقتل أو تهديد حياة الآخرين. التهمة التي أعلنت السلطات أنها تناسب حالة العريس الضحية حمزة فناطسة في مدينة معان، هي "القتل القصد”.
المعنى هنا أن أي شخص يطلق رصاص الاحتفال بعد الآن ستوجه له النيابة العامة تهمة "الشروع بالقتل القصد”، وإذا نتج عن ذلك حالة وفاة ستكون التهمة "القتل العمد”، وهي التهمة الجنائية الأعلى في سلم جنايات القتل، وقد تصل عقوبتها للإعدام.
الفرضية القانونية المستجدة هنا تؤشر على أن السلطات وبموجب قانون "منع الجرائم”، أبلغت الرأي العام مسبقاً بمخالفة القوانين في حال استخدام العيارات النارية وإطلاقها بأي تجمع أو فعالية سكانية، والإبلاغ العلني المسبق هنا يؤطر تهمة "القتل القصد” على قاعدة "أعذر من أنذر”.
والفكرة المنهجية القانونية الجديدة أن البلاغ المسبق بمثابة "تحذير عملياتي” وتجاهله باستعمال السلاح وإطلاق الرصاص يعني توفر نية "القصدية”، ومن ثم توفر أحد أبرز أركان جريمة القتل، وهو "العمد”؛ بمعنى النية المسبقة للقتل.
وأوضحت السلطات الأمنية مع تأطير قانوني ذلك بوضوح أمام الشارع الآن، ما سيعني لاحقاً بأن استخدام سلاح لإطلاق عيار ناري عشوائي بصرف النظر عن السبب، سيقود أي شخص بعد الآن لمواجهة تهمة "الشروع بالقتل”.
عملياً، تأمل السلطات أن يردع الإجراء الجديد ظاهرة إطلاق رصاص الأصدقاء والمحتفلين، لكن الشكوك موجودة بأن يخفق حتى هذا الإجراء لاحقاً في استئصال الظاهرة، التي وصفتها البيانات الأمنية بـ”العادة القاتلة”.
المهم أيضاً أن دوريات متخفية وأخرى راجلة وآلية ستراقب احتفالات وأعراس الأردنيين بعد الآن. وفي باب الوقاية، أعلنت السلطات فعلاً أمس الأول، اعتقال شاب كان يحمل سلاحاً في أحد الأعراس، الأمر الذي يعني أن بروتوكول الإجراءات بعد الآن قد يشمل كل شخص يحمل سلاحاً أساساً في أي احتفال بصرف النظر عن استعماله، بمعنى أن السلطات تقترح على المواطنين بعد الآن صيغة "اترك سلاحك واحتفل”. وهو رد أمني على مقولة حملة شعبية عارمة على صفحات التواصل تقول "لا تقتلني بفرحك”. التوقيف الاحترازي سيكون فعالاً مستقبلاً، واعتبار ساحات ومواقع الاحتفالات والأعراس بعد الآن ساحات "خاضعة للأمن والقانون” يعني أن الأجهزة الأمنية ستراقبها بكل الوسائل والتقنيات المتاحة في باب "منع الجريمة قبل حصولها” وبموجب تعليمات مباشرة للحكام الإداريين صدرت على الأرجح عن وزير الداخلية خلال اليومين الماضيين.
في الخلاصة، الأجهزة الأمنية اتخذت قرارها وبضوء أخضر من أعلى المستويات بإنفاذ القانون، واستعمال الترسانة التشريعية المتوفرة وحزمة الصلاحيات التي يتيحها القانون لضرب الظاهرة واجتثاثها، خصوصاً بعد بيان أمني اعتبر ما حصل مع العريس الضحية حمزة فناطسة "ثأرياً”.
ذلك عملياتياً غير ممكن بدون "غطاء سياسي” بدأت الوزارات المختصة في عمان إجرائياً تستجيب لمتطلباته بصيغة تطور النقاش مجدداً باتجاه الملف المسكوت عنه بالماضي، وهو "قانون الأسلحة والذخائر”.
السؤال المطروح مبكراً: إلى أي مدى ستذهب السلطات باتجاه نقطة تحول كبيرة بخصوص قانون الأسلحة والذخائر؟ بصيغة أو بأخرى، ثمة من يقترح مبكراً المبادرة فوراً لـ "تعديل القانون” الذي ينظم صياغات وجود الأسلحة بين أيدي الأردنيين.
لكن مفردة "تنظيم ثم تعديل” هي حمالة أوجه سياسياً، وقد تفتح نقاشات مناطقية واجتماعية وعشائرية وسياسية صعبة في مواجهة الحكومة الحالية على الأقل بعد إصدارها سلسلة من التشريعات التي تتميز بأنها مستفزة للشارع أو غير شعبية وهي ترفع شعار "لا شعبويات”.
واضح تماماً أن النقاشات التي أعقبت حادثة عريس معان الفناطسة، أنتجت نقاشاً لحواضن شعبية متعاطفة مع أي جهد للدولة في السياق، الأمر الذي يدفع الشارع باتجاه "عدم الاعتراض” على توجيه تهمة القتل القصد بعد الآن لمن يطلق الرصاص ويؤذي الآخرين، ثم تهمة الشروع بالقتل لمن يحمل سلاحاً ويستعمله. لكن واضح أيضاً أن الوقوف اضطراري الآن لتأمل سيناريو تعديل قانون الأسلحة والذخائر دون الغرق في تكهنات المسافة التي يمكن أن يقطعها هنا في ملف حساس أي تعديل تشريعي.
بسام البدارين