فلسطين: هل هناك أمل بعد عام الكارثة؟
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، باقتحام وإحراق مستشفى كمال عدوان جباليا شمال قطاع غزة. بعد تصريح لمدير المشفى، حسام أبو صفية، أن خمسة من أفراد طاقمه بينهم طبيب قتلوا في الهجوم، قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن التواصل انقطع مع أبو صفية، وأن قوات الاحتلال أجبرت الطواقم الطبية والمرضى على خلع ملابسهم في البرد الشديد واقتادتهم خارج المستشفى الى جهة مجهولة وبذلك «أصبح مصير الكادر الصحي والمرضى مجهولا».
كمال عدوان، الذي سمّي المشفى على اسمه، هو سياسي فلسطيني كان قائدا في حركة «فتح» ولد في قرية قرب عسقلان ولجأ إلى قطاع غزة بعد حرب 1948، وكان مسؤول مكتب الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية حين اغتالته فرقة كوماندوز إسرائيلية في العاصمة اللبنانية بيروت في نيسان/ إبريل 1973، في عملية استهدفت أيضا القائدين في الحركة كمال ناصر ومحمد يوسف النجار.
يشكّل استهداف مشفى كمال عدوان، في السياق المذكور، استمرارا تاريخيا للمشروع الإسرائيلي لاستئصال الكيان الفلسطيني، تاريخيا عبر تأسيس إسرائيل، وإلغاء المشاريع السياسية لنشوء دولة فلسطينية، وفيزيائيا عبر التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
حسب آخر أرقام للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغ عدد القتلى في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الثاني من العام الماضي 45317 شهيدا بينهم 17581 طفلا و12048 امرأة (أي أكثر من 2في المئة من مجموع عدد سكان القطاع) كما قتل الاحتلال الإسرائيلي في الفترة نفسها 824 فلسطينيا في الضفة.
وحسب إحصاءات قامت بها قناة «بي بي سي» العربية فإن إسرائيل أجبرت، في غضون عشرة أيام فقط من هجوم أكتوبر 2023، أكثر من مليون شخص على مغادرة بيوتهم، وفي غضون عام أجبر أغلب سكان القطاع على النزوح، وتنقّل بعضهم، كما حصل مع نجود أبو كلوب، إحدى ساكنات خان يونس، 11 مرة منذ بداية الحرب.
حسب أرقام الأمم المتحدة فإن أغلب النازحين في القطاع لن يجدوا مأوى يعودون إليه بعد انتهاء الحرب لأن أكثر من 70في المئة من كل البيوت تضررت أو دمرت، مما خلّف، مع بداية تموز/يوليو 2024، أكثر من 40 مليون طن من الركام، أي بمعدل 115 كيلوغراما لكل متر مربع، وهو ما يحتاج 15 عاما للتخلص منه، ويعادل الحطام الناتج عن هذه الحرب 14 مرة مجموع الحطام الناتج عن كل المواجهات بين إسرائيل وغزة منذ عام 2008، ويقدر تقرير أممي، في «أفضل سيناريو ممكن» أن «تستغرق إعادة بناء البيوت حتى سنة 2040».
ما يحصل في غزة حاليا هو إبادة جماعية مبثوثة على الهواء مباشرة في العالم، غير أن الجبروت الفظيع، والاستخفاف الإسرائيلي بكل الضغط الأممي والدولي، فإن ما حصل خلال عام المحرقة الفلسطينية هذا أن التعاطف مع الضحايا ركز أولويات التضامن السياسي العالمي مع نكبة الفلسطينيين الجديدة، فصارت المقارنة بين إجرام إسرائيل المطلق ومحنة الفلسطينيين الهائلة وصمودهم الأسطوري.
المعادلة العالمية الآن تتركز على تفكيك نظام الفصل العنصري والحصول على حقوق الفلسطينيين، وهي معادلة نجحت، حتى الآن، في تأليب أغلبية شعوب ودول العالم على دولة الإرهاب الإسرائيلية، والتضامن مع الفلسطينيين، كما رأينا في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكما رأينا في الاتساع المتزايد لعدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية، وكذلك الدول المنضمة لدعوى جنوب افريقيا ضد إسرائيل، وفي الدعم الذي لقيه قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت.
لقد أصبح إيجاد حل عادل ومستدام للفلسطينيين مطلبا عالميا ملحا، وصار واضحا، بعد التغيّرات الكبيرة التي جرت في سوريا ولبنان، أنه ما لم تحل المسألة الفلسطينية، فإن منطقة الشرق الأوسط ستبقى عرضة للهزات والصراعات، وكذلك العالم.