في مرحلة ما بعد 9/11 ركزت الجهود على مراقبة مسلمي أمريكا
الشريط الإخباري :
لندن – "القدس العربي”: نشرت صحيفة "الغارديان” تقريرا أعده أدم غابات قال فيه إن جماعات اليمين المتطرف والتفوق العرقي الأبيض ازدهرت في الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد هجمات 9/11، لكن لم يتم تخصيص إلا جزء بسيط من المصادر المالية والبشرية التي أنفقت على الحملة ضد الإرهاب لمواجهتها.
وقال فيه إن الحكومة الأمريكية تحركت بسرعة في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر لمنع هجمات جديدة قد ينفذها متطرفون إسلاميون. وأنفقت مليارات الدولارات على أجهزة فرض القانون وتم توسيع صلاحياتها لمراقبة المواطنين الأمريكيين وفي الخارج بعدما أعلن جورج دبليو بوش عن الحرب على الإرهاب.
في الوقت الذي قامت به سي أي إيه و أف بي آي ووزارة الأمن الداخلي بالبحث في أمريكا والعالم عن المتطرفين المسلمين، فقد تم تجاهل التهديد الموجود والمتمثل بجماعات التفوق العرقي الأبيض .
وفي الوقت الذي قامت به سي أي إيه ومكتب التحقيقات الفيدرالية، أف بي آي بالإضافة لوزارة الأمن الداخلي التي أنشئت بعد الهجمات بالبحث في أمريكا والعالم عن المتطرفين المسلمين، فقد تم تجاهل التهديد الموجود والمتمثل بجماعات التفوق العرقي الأبيض التي ظل تأثيرها وأعدادها في تزايد على مدى العقدين الماضيين.
وبعد 20 عاما على الهجمات الإرهابية فأن التهديد الإرهابي الحقيقي بات نابع من هذه الجماعات، وهي متهمة بـ 16 من 17 عملية قتل متطرفة في الولايات المتحدة عام 2020، بحسب رابطة مكافحة التشهير.
وفي 2019 اتهمت بـ 41 هجوما قام بها متطرفون يمينيون من 42 هجوما. وفي الفترة ما بين 2009- 2018 كان اليمين المتطرف مسؤولا عن 73% من الهجمات القاتلة التي نفذها متطرفون بيض وقتلت في 2018 أكثر مما قتله متطرف أبيض عام 1995 عندما فجر مبنى فدراليا في مدينة أكولاهوما.
ويعلق الكاتب أنه رغم الأرقام الإحصائية حول تسيد جماعات التفوق العرقي الأبيض فإن الوكالات الاستخباراتية الأمريكية خصصت جهودا وتمويلا لمواجهة التهديد النابع الإرهاب الإسلامي أكثر من معالجة خطر هذه الجماعات المحلية.
وتقول سينثيا ميلر- إدريس مؤلفة كتاب "كراهية في الوطن: اليمين المتطرف الدولي الجديد” والمحاضرة في الجامعة الأمريكية حيث تدير مخبر أبحاث الاستقطاب والتطرف "خلقت صدمة 9/11 آلية لا تصدق في الولايات المتحدة والعالم وكانت عبارة عن إنشاء وكالات جديدة وجلسات اجتماع لمهام خاصة وكل الأنواع التي خلقت نقاط عمياء” وتضيف "صحيح تم إحباط مؤامرات وتحذير من هجمات، وكانت هناك أمور تحدث، وفي نفس الوقت فإن التهديد الآخر كان في تزايد وصعود ولم يشاهدوه”.
وفي السنوات الأخيرة وحدها قتل مسلح 23 شخصا في إلباسو بولاية تكساس حيث نشر مانفيستو القوميين البيض والمواد المعادية للمهاجرين على الإنترنت. وقال فيه إنه قرر القيام بهجوم "ردا على غزو الهسبانون لتكساس”. في شباط/فبراير 2019 اعتقل ضابط خفر سواحل قدم نفسه على أنه "قومي أبيض” بعدما خزن أسلحة وقائمة اغتيال لرموز إعلامية وحكومية وحكم عليه بالسجن مدة 13 عاما في 2020. وقتل 9 أعضاء في كنيسة للسود في تشارلستون بساوث كاليفورنيا عام 2017، واعترف رجل عمره 22 عاما لـ أف بي آي أنه كان يريد إعادة نظام الفصل العنصري وبدء حرب عرقية.
الوكالات الحكومية ركزت كل جهودها خلال العقدين الماضيين في التحقيق ومراقبة المسلمين في أمريكا والخارج.
لكن الوكالات الحكومية ركزت كل جهودها خلال العقدين الماضيين في التحقيق ومراقبة المسلمين في أمريكا والخارج. وفي 2019 قال أف بي أي إن نسبة 80% من عملائه في مكافحة الإرهاب يركزون على الإرهاب الدولي والنسبة الباقية، 20% تركز على الإرهاب المحلي. ومع ملاحقة الحكومة الإرهاب الإسلامي تم تقييد الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا وهو ما قاد لمعاناة المسلمين الأبرياء. وتم اعتقال أكثر من ألف شخص في الأشهر التي أعقبت هجمات 9/11 وتم التحقيق مع آلاف آخرين في وقت وضعت فيه المساجد وأحياء المسلمين تحت الرقابة.
وزادت جرائم الكراهية ضد المسلمين بعد الهجمات وظل فوق مستوى ما قبل 2001 من ذلك الوقت. وقال ميلر- إدريس "هناك غاب في الاهتمام من السلطات، ومصادر، ولكن بعض التدخلات التي قامت بها الحكومة كانت معادية للمسلمين. ولهذا فقد عززوا حسا إسلاموفوبيا ومشاعر معادية للمهاجرين”. ويرى مايكل جيرمان، العميل الخاص السابق في أف بي آي والذي كان متخصصا في الإرهاب المحلي أن التباين في التركيز الذي منح للاعبين المسلمين المزعومين ودعاة التفوق العرقي الأبيض، كان في تزايد حتى قبل هجمات 9/11.
وبعد الهجمات صدرت بالطبع "قوانين جديدة” بما فيها قانون الوطنية الذي منح الحكومة صلاحيات أوسع لمراقبة واستهداف الأمريكيين. كما ومنحت وزارة العدل سلطات إضافية للتحقيق مع أشخاص بدون سجل إجرامي سابق. وقال جيرمان، الذي يعمل الآن في برنامج مركز برينان للعدالة والحرية والأمن القومي إن الصلاحيات ركزت كلها على المسلمين الأمريكيين وركزت أقل على دعاة التفوق العرقي الأبيض. وقال "هناك تباين في الطريقة التي استهدف فيها أف بي آي المسلمين الأمريكيين الذين تحدثوا بكلام لم يعجب الحكومة أو كانوا على علاقة بأشخاص لا تحبهم الحكومة أو شكت بهم الحكومة لمجرد كونهم مسلمين ولم يرتكبوا جريمة أبدا ولم يرتبطوا أبدا بجماعة إرهابية مقارنة مع بل والفشل حتى في توثيق الجرائم التي ارتكبها دعاة التفوق العرقي الأبيض”.
وأضاف جيرمان إنه في مرحلة ما بعد تفجير مركز التجارة العالمي ” جاءت مصادر ضخمة من وحدة المهام الخاصة المشتركة ضد الإرهاب وجهود مكافحة الإرهاب”. و "كل هذا ركز على الإرهاب المحتمل من المسلمين”.
وفي تدقيق رسمي بوزارة العدل تم عام 2010 وجد أن عدد العملاء المخصصين للتحقيق في الإرهاب المحلي في الفترة ما بين 2005- 2009 لم يتجاوز 330 من مجموع 2.000 محقق في مجال الإرهاب. ويقول جيرمان إن القرار بعدم التركيز على الإرهاب المحلي لم يكن استراتيجيا فقط لكن بسبب التأثير والمال، في وقت قامت به الصناعات والمشرعين بالدفع وحتى الضغط على أف بي آي بعدم التركيز على الجماعات المعارضة للرأسمالية والمنظمات الداعية لحماية البيئة. وقال جيرمان "كان أف بي آي بحاجة للمصادر المالية ولكي يحصل عليها فعليه إقناع الكونغرس. ويعمل هذا بسرعة حالة وجد رعاة أثرياء يريدون المساهمة في حملاته”. و "لهذا كان على اف بي آي بناء قاعدة دعم له داخل مجتمع الأثرياء وكيف يعمل هذا؟ حسنا، بالذهاب إلى مدراء الشركات الكبرى وإخبارهم، كما تعرف، بحاجته لمزيد من المصادر”. وهو "ما يمنح مجالس الشركات الكبرى تأثيرا على ما يقوم به أف بي آي. وما لم تقله المجالس هذه هو أن هناك مجتمعات أقلية في الولايات المتحدة مستهدفة من دعاة التفوق العرقي الأبيض، فماذا ستفعلون من أجله؟” "لا لم يكونوا يقولون هذا، هو أن هذه الجماعات المعادية للشركات تسبب ضيقا وهناك إمكانية لكي تتحول إلى العنف”. وعندما حاولت الحكومة ووكالات الاستخبارات توسيع قاعدة جمع البيانات في مرحلة ما بعد 9/11 فقد استعانت بهذه الشركات التي وجدت أن لديها ورقة للمقايضة مما أدى لإزالة جماعات التفوق العرقي الأبيض عن القائمة الرئيسية. وقال جيرمان إن "الشركات العملاقة لديها معلومات خاصة عن الأمريكيين والحصول على هذه المعلومات أصبح مهما للأف بي آي، ومن هنا أصبح استرضاء هذه الشركات جزءا من المهمة” و "إلى جانب هذا كانت هناك مشكلة عنصرية عالقة داخل أف بي آي”. و”على الطرف الأخير من المنظور هناك أشخاص إما عنصريون بشكل واضح أو عنصريون بشكل غير واضح، ولأن المتفوقين البيض لم يهددوا مجتمعاتهم فلم يتعاملوا معهم كتهديد”. و "العميل الأبيض الذي يذهب إلى بيته في أحياء البيض لا يرى الكثير من حليقي الرؤوس الذين يثيرون مشاكل في مجتمعه”.
وفي عام 2020 ظهرت إشارات عن تركيز على هذه الجماعات حيث قالت وزارة الأمن الداخلي إنها "أكثر التهديدات المستمرة والقاتلة على الوطن”، لكن هذا التحرك لم يأت إلا عندما طلب دونالد ترامب من جماعة "براود بويز” في مناظرته الانتخابية "جهزوا انفسكم”. وتردد ترامب في شجب جماعات البيض العنصرية. وكانت تصريحاته حول حداث تشارلوتسفيل عن "الطرفين” دليلا على أنه يضفي الشرعية على اليمين المتطرف.
ودعا في نيسان/أبريل 2020 ووسط انتشار كوفيد -19 أنصاره "حرروا ميتشغان” بعدما أمرت حاكم الولاية الديمقراطية غريتشن ويتمر السكان البقاء في بيوتهم، ورد مسلحون مشاغبون مقر الولاية. ووجه أف بي آي اتهامات في تشرين الأول/أكتوبر 2020 لـ 6 أشخاص كانوا يخططون لاختطاف حاكمة الولاية. وربما كان الهجوم على ميتشغان بروفة قاتمة لم سيحدث في 6 كانون الثاني/يناير عندما اقتحم متظاهرون الكونغرس.
ولم يبد جوزيف بايدن ترددا في وصف جماعات العرق الأبيض بأنها "أكبر تهديد قاتل” على الأمريكيين وأعلنت إدارته عن خطط واسعة لمعالجة المشكلة.
ويرى بي دبليو سينغرـ الاستراتيجي الذي عمل كمستشار للجيش الأمريكي والمخابرات وأف بي أي والزميل حاليا في معهد "نيو أميريكان” إن زيادة خطر دعاة التفوق العرقي الأبيض معقدة ولا يمكن نسبتها لعدم اهتمام الوكالات الاستخباراتية بها، ولكنها لم تساعد عندما لم تعمل على وقفها. وقال "فكر بها كمرض ضرب جسد السياسة، والشخص ليس في حالة إنكار بل ويتجنب عمدا اتخاذ إجراءات لقتاله بل ولم يتم نشر الدفاعات العادية ضد تهديدات مماثلة”. وربما ذهب ترامب لكن تملق الجمهوريين لليمين المتطرف لم ينته، وفي آب/أغسطس دافع مو بروكس، النائب الجمهوري عن ألاباما عن أحد أنصار ترامب الذي هدد بتفجير الكابيتال هيل. وغرد بروكس "مع أن هذا هو دافع إرهابي لكنه لم يعرف بعد. وبشكل عام فأنا أتعاطف مع غصب المواطن الموجه ضد الديكتاتورية الاشتراكية وتهديدها للحرب ونسيج المجتمع الأمريكي”.