“بروفة” تعيين رؤساء الجامعات تتكرر..
الشريط الإخباري :
حسين الرواشده
فيما رفض رئيس إحدى الجامعات تقديم استقالته بعد أن طلب منه تقديمها، بحجة أنه لم يقصر في عمله ولم يبرر له سبب إعفائه، خرج رئيس جامعة أخرى بتغريدات انتقد فيها بشدة قرار طلب استقالته (ووصفه بأنه محاكمة غيابية على طريقة منتصف القرن الماضي)، أما الآخرون فقد التزموا الصمت وقبلوا بالنصيب المكتوب.
هذا جزء مما جرى في قصة تعيينات رؤساء الجامعات الأخيرة، وهو ليس جديدا، بالطبع، فقد شهدنا في السنوات المنصرفة ردود أفعال مشابهة، توّجها سؤال مهم، وهو: هل لدينا فعلاً معايير واضحة وعادلة تصلح أن تكون مسطرة لاختيار رؤساء الجامعات، أم أن المسألة متعلقة بتقييمات تضعها لجان معينة، مهمتها التنسيب لمجلس التعليم العالي ثم لوزير التعليم العالي، مع اعتراف الوزير نفسه "بأنه لا يوجد حتى الآن نظام لتعيين الرؤساء” بانتظار أن يصدر لاحقاً.
في غياب المعلومات عن آليات التعيين والمعايير المعتمدة للمنافسة على مقاعد رؤساء الجامعات الرسمية، لا يوجد لدي أي تعليق على ما جرى، لكن لدي استفهام كبير حول أكثر من واقعة، منها أنه تم إعفاء ثلاثة رؤساء تباعاً في إحدى الجامعات دون أن يفهم أحد لماذا جرى ذلك، فيما ظلت معظم طواقم الإدارة العليا في الجامعة ذاتها تواصل عملها دون تغيير، كما أن مجلس أمناء الجامعة لم يتحمل أي مسؤولية عن "تقصير” الرئيس ولم يستشره أحد.
واقعة ثانية وهي أن أحد رؤساء الجامعات تم التمديد له لدورتين، وبعد أن خرج فتح الرئيس الجديد "الملفات” ليتبين أن عروض الإنجاز التي كان يقدمها "سلفه” مجرد أرقام واستعراضات، وربما أوهام أيضاً، بمعنى أن تقييم الإنجاز لغايات "التمديد” أو "الإعفاء” للرؤساء لا تعدو أن تكون مجرد انطباعات تقديرية، لكي لا نقول شيئاً آخر.
في المقابل، ثمة واقعة ثالثة، وهي أن أحد الرؤساء الذين تم "إعفاؤهم” قبل سنوات خرج للرأي العام بجردة إنجازاته في الجامعة، ولم نسمع من أحد، لا من داخل الجامعة ولا من خارجها، عن أي تشكيك أو تفنيد لما قاله، مثلما لم نتلق أي تبرير من الوزير الذي أصدر قرار إعفائه، والإعفاء هنا -للأسف- بخلاف طلب الاستقالة، هو اتهام بالفشل.
النقاش الذي أثير حول هذه القضية خلال الأسابيع الماضية ظل أسيراً لفكرة "التعيين” وانتقاد آلياتها، كما أن الغضب، أو ربما العتب، الذي أبداه بعض الرؤساء الذين طلب منهم الاستقالة أو تم "إعفاؤهم”، أعادنا الى "الفكرة” ذاتها، فهؤلاء كما دخلوا الى مناصبهم بكبسة "التعيين” أخرجوا منها أيضاً بالكبسة ذاتها، وهذا أمر متوقع، بما أن الماكينة التي أفرزت الجميع تدور على سكة سياسية واحدة.
كان يمكن -بالطبع- أن نوجه نقاشنا العام باستدعاء فكرة من خارج الصندوق، وهي إمكانية انتخاب رؤساء الجامعات من قبل عمداء كليات منتخبين أيضا من أعضاء التدريس في كلياتهم، لم لا؟ فقد سبقنا الى ذلك العديد من الجامعات المحترمة في العالم، ولدينا نحن الآن فرصة تستند الى أكثر من اعتبار، بل وتجعل ذلك خياراً ممكناً وقابلاً للنقاش على الأقل، من هذه الاعتبارات أن المناخات الإصلاحية التي بدأناها في مجال "المنظومة السياسية” يمكن أن تشجعنا لتحديث "المنظومة التعليمية”، وخاصة في الجامعات الرسمية، ولتكن البداية من "انتخاب” الرئيس.
الاعتبار الثاني هو حالة التراجع التي أصابت الجامعات، ليس على الصعيد الإداري والمالي فقط، وإنما الأكاديمي والبحثي وعلاقاتها مع المجتمع، وهي حالة تدعو الى التحديث فعلاً (لكي لا نقول التغيير)، أما الاعتبار الثالث فهو المكانة الرمزية والواقعية التي من المفترض أن تتمتع بها الجامعات، كمؤسسات "قائدة” للمجتمع تستوجب أن تفتح أبوابها على "الديمقراطية” لتقدم نموذجاً ملهما لغيرها من المؤسسات، وأبسط معايير "الدمقرطة” أن يكون رؤساؤها منتخبين، تماما كما هي مجالس الطلبة فيها منتخبة، يبقى اعتبار رابع على الهامش وهو أن هذه "الوصفة” كفيلة بإخراجنا من صراع "التعيين” ودوخات التبرير، والعتب والغضب أيضا.