تعطل الملاحة في قناة السويس يكشف أن اقتصاد العالم أكثر هشاشة مما نعتقد
الشريط الإخباري :
نيويورك – د ب أ: لم يتطلب الأمر سوى عاصفة رملية ليتوقف تدفق حاويات البضائع وشحنات النفط العالمية، بعد جنوح سفينة «إيفر غيفن» الثلاثاء الماضي في قناة الـسويس، المجـري المائي الذي يمر من خلاله 10% من تجارة العالم.
وفي تقرير نشرته أمس الأحد وكالة بلومبرغ للاخبار والتحليلات الاقتصادية يقول الكاتب كريس بريانت أن الموقف يرجع في جزء منه ببساطة لسوء الحظ: فقد قامت مصر بتوسيع أجزاء من القناة لتسمح بمرور السفن في الاتجاهين، واستيعاب الناقلات كبيرة الحجم. ولكن الناقلة العملاقة «إيفر غيفن» جنحت وانحشرت في جزء من القناة لا يزال ضيقاً مما أدى إلى وقف المرور عبرها في الاتجاهين، وتكدس أكثر من 300 سفينة عند مدخليها الشمالي على البحر المتوسط والجنوبي على الحر الأحمر.
وفي حقيقة الأمر، يبعث الحادث أيضا برسالة مفادها أن أي حضارة في العالم، حتى لو كانت متقدمة، تعاني معوقات ونقاط ضعف حادة. وفي ميدان الإستراتيجية والأمور العسكرية، تعرف مثل هذه المعوقات أيضا باسم «نقاط الاختناق» وغالبا لا يتم الالتفات إليها في الحياة العامة، إلا عندما تقع مشكلة.
ويعمل مصممو النظم بدأب من أجل تجنب نقاط الضعف هذه، حتى تستطيع نُظم النقل والطاقة وشبكات الاتصالات الصمود في وجه أي هجمات أو مصائب.
ومن الأمثلة على تأثيرات التصميم المعيب الذي لم ينجح في تجنب نقاط الضعف، حادثي تحطم طائرتين طراز «بوينغ737ماكس» في إندونيسيا، أكتوبر/تشرين أول 2018، وفي إثيوبيا، مارس/آذار 2019 نتيجة خطأ في البرمجة أدى إلى ارسال قراءات غير صحيحة إلى نظام الطيران الآلي للطائرة .
وكان من المفترض أن يجعلنا التقدم الذي أحرزته التكنولوجيا، والعولمة أقل عرضة لهذا النوع من المشكلات.
ولكن رغم كل هذا التقدم لا تزال البُنية التحتية العالمية تعاني من نقاط ضعف مثيرة للدهشة. وبعضها من الصعب علاجه، حيث إن تطوير الخيارات الاحتياطية (باك أب) باهظ التكلفة، كما أنه لا يتوافق مع تحقيق وفرة في الإنتاج.
يقول بريانت إنه في بعض الحالات تزداد المشكلة سوءا، حيث صارت الصناعات أكثر تركيزا بسبب عمليات الاستحواذ على الشركات. وعلاوة على ذلك، هناك حفنة من شركات التكنولوجيا التي تتحكم في جزء كبير من حياتنا: إذ تسيطر شركات «نوكيا» الفنلندية و»إريكسون» السويدية «وهواوي» الصينية على نحو 60% من سوق معدات الإتصال.
ونتيجة لذلك صارت الحكومات الآن أكثر إدراكا للقوة السياسية والاقتصادية التي يتمتع بها من يسيطرون على ما يمكن أن يصبح نقاط اختناق. ويشكل ذلك أحد الأسباب وراء المخاوف الكبيرة لدى الولايات المتحدة إزاء مشاركة شركة «هواوي» في إقامة شبكات الجيل الخامس «جي5» للاتصالات.
من ناحية أخرى، تشكل قناة السويس وقناة بنما ومضيق هرمز، ممرات ضيقة تضطر سفن الحاويات وناقلات النفط والغاز العملاقة إلى الإبحار عبرها، لتجنب قطع مسافات أطول وأعلى تكلفة بكثير، أو لجوء أصحاب الحمولات عليها إلى الشحن الجوي، بتكلفته الباهظة.
وعلى مدارعقود، عُرِفَتْ هذه الممرات المائية بأهميتها الإستراتيجية الكبيرة، وبأنها عرضة لهجمات عسكرية أو إرهابية. فلطالما استخدمت إيران مضيق هرمز للضغط على الـقوى الأجـنبية.
وثارت نقاشات طويلة بشأن إيجاد طرق بديلة، ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق بعد: فهناك مقترح لشق قناة في نيكاراغوا تنافس قناة بنما لتربط بين المحيط الهادئ والبحر الكاريبي وبالتالي المحيط الأطلسي، ولكن التكلفة الضخمة، التي تبلغ 50 مليار دولار، حالت دون التنفيذ.
ويضيف بريانت أن المرء قد يلتمس العذر لأوجه الضعف الناجمة عن أسباب طبيعية، ولكن يجب أن نكون أقل تقبلا لمظاهر الضعف التي لدينا قدرة أكبر على السيطرة عليها.
وبالنسبة لقطاع الطاقة، أوضح بريانت أنه في سبيل أن تتخلص ألمانيا من إحدى نقاط الضعف في أوروبا- وهي أن القارة تحصل على معظم وارداتها من الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب تمر بأراضي أوكرانيا- لجأت برلين إلى إنشاء خطي أنابيب «نوردستريم1» و» نوردستريم2» لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا تحت مياه بحر البلطيق. وتخشي الولايت المتحدة من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف شرق أوروبا، وزيادة اعتماد ألمانيا على روسيا.
وفي مجال التمويل، ترتبط تريليونات الدولارات من الأدوات المالية في لندن بسعر الفائدة المرجعي للاقتراض بالدولار بين البنوك «ليبور» وهو نظام وجدت دائرة صغيرة من البنوك الكبرى أن من السهل، على نحو صادم، التلاعب به حتى فُضِحَ أمرها في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية في 2008.
ومن المقرر انتهاء العمل بهذه الآلية في يونيو/حزيران 2023، بعدما كان ذلك مقررا بنهاية 2021 ولكن جرى تأجيله 18 شهراً.
وعلى نحو مماثل، اعتمدت أوروبا طويلا على نظام التبادل الآمن للمعلومات والمدفوعات بين البنوك «سويفت» وعلى الدولار الأمريكي . ولكن الأمر صار موضع نقاش في أعقاب الخلافات بين أمريكا وأوروبا على خلفية العقوبات ضد إيران.
وفي مجال التكنولوجيا، كانت هناك تحذيرات على مدار سنوات من أن الولايات المتحدة بحاجة إلى «باك أب» (أي بديل طوارئ) لنظام تحديد المواقع العالمي «جي.بي.إس» حيث من الممكن محاكاته، أوتعطيله. وما زال العالم في انتظار تطوير نظام بديل.
وتظهر نقاط الضعف بشكل واضح في مجال إنتاج أشباه الموصلات. فقد أجبر النقص في رقائق الكمبيوتر وسط جائحة كوفيد19- شركات السيارات على وقف خطط الإنتاج لديها. ومع أنه جمود مؤقت، ولكنه يُظهر بوضوح حقيقة أن عدداً قليلاً للغاية من الشركات يستطيع إنتاج الشرائح أو الرقائق الأكثر تطورا، بسبب التحديات التكنولوجية والتكاليف الضخمة لإنشاء المسابك.
وأهم هذه الشركات «شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية» التي تقع في جزيرة معرضة للتهديد الدائم بالغزو من قبل بكين.
كما تحتكر شركة «آيه إس إم إل هولدينغ إن في» الهولندية الآلات التي تستخدم في صناعة الرقائق. وعدم قدرة الصين على شراء أحدث المعدات من الشركة يحد من طموحات بكين في صناعة أشباه الموصلات.
وليس من السهل حل أي من هذه المشكلات المتعلقة بنقاط الاختناق. ولا يتعلق الأمر هنا بالطموحات الجغرافية فحسب، ذلك أنه عادة ما تكون هناك مقايضات بين بناء مزيد من المرونة وبين الكفاءة.
كما أن تعزيز سلاسل الإمداد أمر باهظ التكلفة. ولكن لأن وجود بدائل طوارئ إحتياطية توفر الحماية هو حاجة ومطلب للجميع، هناك من يرى أن على الحكومات أن تقوم بدور في توفيرها. ويمكن مثلا توظيف سياسة مناهضة الاحتكار ضد الممارسات الاحتكارية، وتعزيز المنافسة، وتقديم دعم مالي وتنظيمي لتطويرها.
واختتم بريانت تقريره بالقول أن ما نشهده من عرقلة السفينة «إيفر جيفن» للملاحة في قناة السويس يؤكد أنه من المفيد للغاية توفر مثل هذه البدائل.